«يا أيها الذين آمنوا» شروع في بيان الشرائع المتعلقة بدينهم بعد بيان ما يتعلق بدنياهم «إذا قمتم إلى الصلاة» أي أردتم القيام إليها كما في قوله تعالى فإذا قرأت القران فاستعذ بالله عبر عن إرادة الفعل بالفعل المسبب عنها مجازا للايجاز والتنبيه على ان من أراد الصلاة حقه ان يبادر إليها بحيث لا ينفك عن ارادتها أو إذا قصدتم الصلاة اطلاقا لاسم أحد لازميها على لازمها الاخر وظاهر الآية الكريمة يوجب الوضوء على كل قائم إليها وان لم يكن محدثا لما ان الامر للوجوب قطعا والاجماع على خلافه وقد روى ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد فقال عمر رضي الله تعالى عنه صنعت شيئا لم تكن تصنعه فقال عليه الصلاة والسلام عمدا فعلته يا عمر يعني بيانا للجواز وحمل الامر بالنسبة إلى غير المحدث على الندب مما لا مساغ له فالوجه ان الخطاب خاص بالمحدثين بقرينة دلالة الحال واشتراط الحدث في التيمم الذي هو بدله وما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من انهم كانوا يتوضؤون لكل صلاة فلا دلالة فيه على انهم كانوا يفعلونه بطريق الوجوب أصلا كيف لا وما روى عنه عليه الصلاة والسلام من قوله من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات صريح في ان ذلك كان منهم بطريق الندب وما قيل كان ذلك أول الامر ثم نسخ يرده قوله عليه الصلاة والسلام المائدة من اخر القران نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها «فاغسلوا وجوهكم» أي أمروا عليها الماء ولا حاجة إلى الدلك خلافا لمالك «وأيديكم إلى المرافق» الجمهور على دخول المرفقين في المغسول ولذلك قيل إلي بمعنى مع كما في قوله تعالى ويزدكم قوة إلى قوتكم وقيل هي انما تفيد معنى الغاية مطلقا واما دخولها في الحكم أو خروجها منه فلا دلالة لها عليه وانما هو امر يدور على الدليل الخارجي كما في حفظة القران من أوله إلى اخره وقوله تعالى فنظرة إلى ميسرة فان الدخول في الأول والخروج في الثاني متيقن بناء على تحقق الدليل وحيث لم يتحقق ذلك في الآية وكانت الأيدي متناولة للمرافق حكم بدخولها فيها احتياطا وقيل إلى من حيث إفادتها للغاية تقتضي خروجها لكن لما لم تتميز الغاية همنا عن ذي الغاية وجب ادخالها احتياطا «وامسحوا برؤوسكم» الباء مزيدة وقيل للتبعيض فإنه الفارق بين قولك مسحت المنديل ومسحت بالمنديل وتحقيقه انها تدل على تضمين الفعل معنى الالصاق فكأنه قيل وألصقوا المسح برؤوسكم وذلك لا يقتضي الاستيعاب كما يقتضيه ما لو قيل وامسحوا رؤوسكم فإنه كقوله تعالى فاغسلوا وجوهكم واختلف العلماء في القدر الواجب فأوجب الشافعي أقل ما ينطلق عليه الاسم اخذا باليقين وأبو حنيفة ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث مسح على ناصيته وقدرها
(١٠)