فإنه نفي عن وجه الأرض لدفع شرهم عن أهلها ويعزرون أيضا لمباشرتهم منكر الإخافة وإزالة الأمن وعند الشافعي رضي الله عنه النفي من بلد إلى بلد لا يزال يطلب وهو هارب فزعا وقيل هو النفي عن بلده فقط وكانوا ينفونهم إلى دهلك وهو بلد في أقصى تهامة وناصع وهو بلد من بلاد الحبشة «ذلك» أي من فضل من الأحكام والأجزية قيل هو مبتدأ وقوله تعالى «لهم خزي» جملة من خبر مقدم على المبتدأ وقوله تعالى «في الدنيا» متعلق بمحذوب وقع صفة لخزي أو متعلق بخزي على الظرفية والجملة في محل الرفع الرفع على أنها خبر لذلك وقيل خزي خبر لذلك ولهم متعلق بمحذوب وقع حالا من خزي لأنه في الأصل صفة له فلما قدم انتصب حالا وفي الدنيا إما صفة لخزي أو متعلق به على ما مر والخزي الذل والفضيحة «ولهم في الآخرة» غير هذا «عذاب عظيم» لا يقادر قدره لغاية عظم جنايتهم فقوله تعالى لهم خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر وفي الآخرة متعلق بمحذوف وقع حالا من عذاب لأنه في الأصل صفة له فلما قدم انتصب حالا أي كائنا في الآخرة «إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم» استثناء مخصوص بما هو من حقوق الله عز وجل كما ينبئ عنه قوله تعالى «فاعلموا أن الله غفور رحيم» أما ما هو من حقوق الأولياء من القصاص ونحوه فإليهم ذلك إن شاءوا عفوا وإن أحبوا استوفوا وإنما يسقط بالتوبة وجوب استيفائه لا جوازه وعن علي رضي الله عنه أن الحرث بن بدر جاءه تائبا بعد ما كان يقطع الطريق فقبل توبته ودرأ عنه العقوبة «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله» لما ذكر عظم شأن القتل والفساد وبين حكمهما وأشير في تضاعيف ذلك إلى مغفرته تعالى لمن تاب من جنايته أمر المؤمنون بأن يتقوه تعالى في كل ما يأتون وما يذرون بترك ما يجب بقاؤه من المعاصي التي من جملتها ما ذكر من القتل والفساد وبفعل الطاعات التي من زمرتها السعي في إحياء النفوس ودفع الفساد والمسارعة إلى التوبة والاستغفار «وابتغوا» أي اطلبوا لأنفسكم «إليه» أي إلى ثوابه والزلفى منه «الوسيلة» هي فعيلة بمعنى ما يتوسل به ويتقرب إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي من وسل إلى كذا أي تقرب إليه بشيء وإليه متعلق بها قدم عليها للاهتمام به وليست بمصدر حتى لا تعمل فيما قبلها ولعل المراد بها الاتقاء المأمور به فإنه ملاك الأمر كله كما أشير إليه وذريعة لنيل كل خير ومنجاة من كل ضير فالجملة حينئذ جارية مما قبلها مجرى البيان والتأكيد أو مطلق الوسيلة وهو داخل فيها دخولا أوليا وقيل الجملة الأولى أمر بترك المعاصي والثانية أمر بفعل الطاعات وحيث كان في كل من ترك المعاصي المشتهاة للنفي وفعل الطاعات المكروهة لها كلفة ومشقة عقب الأمر بهما بقوله تعالى «وجاهدوا في سبيله» بمحاربة أعدائه البارزة والكامنة «لعلكم تفلحون» بنيل مرضاته والفوز بكراماته
(٣٢)