عليه الحق) الإملال هو الإملاء أي وليكن المملى من عليه الحق لأنه المشهود عليه فلا بد أن يكون هو المقر «وليتق الله ربه» جمع ما بين الاسم الجليل والنعت الجميل للمبالغة في التحذير أي وليتق المملى دون الكاتب كما قيل لقوله تعالى «ولا يبخس منه» أي من الحق الذي يمليه على الكاتب «شيئا» فإنه الذي يتوقع منه البخس خاصة وأما الكاتب فيتوقع منه الزيادة كما يتوقع منه النقص فلو أريد نهيه لنهى عن كليهما وقد فعل ذلك حيث أمر بالعدل وإنما شدد في تكليف المملى حيث جمع فيه بين الأمر بالاتقاء والنهى عن البخس لما فيه من الدواعي إلى المنهى عنه فإن الإنسان مجبول على دفع الضرر عن نفسه وتخفيف ما في ذمته بما أمكن «فإن كان الذي عليه الحق» صرح بذلك في موضع الإضمار لزيادة الكشف والبيان لا لأن الأمر والنهى لغيره «سفيها» ناقص العقل مبذرا مجازفا «أو ضعيفا» صبيا أو شيخا مختلا «أو لا يستطيع أن يمل هو» أي غير مستطيع للإملاء بنفسه لخرس أو عي أو جهل أو غير ذلك من العوارض «فليملل وليه» أي الذي يلي أمره ويقوم مقامه من قيم أو وكيل أو مترجم «بالعدل» أي من غير نقص ولا زيادة لم يكلف بعين ما كلف به من عليه الحق لأنه يتوقع منه الزيادة كما يتوقع منه البخس «واستشهدوا شهيدين» أي اطلبوهما ليتحملا الشهادة على ما جرى بينكم من المداينة وتسميتها شهيدين لتنزيل المشارف منزلة الكائن «من رجالكم» متعلق باستشهدوا ومن ابتدائية أو بمحذوف وقع صفة لشهيدين ومن تبعيضية أي شهيدين كائنين من رجال المسلمين الأحرار إذ الكلام في معاملاتهم فإن خطابات الشرع لا تنتظم العبيد بطريق العبارة كما بين في موضعه واما إذا كانت المداينة بين الكفرة أو كان من عليه الحق كافرا فيجوز استشهاد الكافر عندنا «فإن لم يكونا» أي الشهيدان جميعا على طريقة نفي الشمول لا شمول النفي «رجلين» إما لإعوازهما أو لسبب آخر من الأسباب «فرجل وامرأتان» أي فليشهد رجل وامرأتان أو فرجل وامرأتان يكفون وهذا فيما عدا الحدود والقصاص عندنا وفي الأموال خاصة عند الشافعي «ممن ترضون» متعلق بمحذوف وقع صفة لرجل وامرأتان أي كائنون مرضيين عندكم وتخصيصهم بالوصف المذكور مع تحقق اعتباره في كل شهيد لقلة اتصاف النساء به وقيل نعت لشهيدين أي كائنين ممن ترضون ورد بأنه يلزم الفصل بينهما بالأجنبي وقيل بدل من رجالكم بتكرير العامل ورد بما ذكر من الفصل وقيل متعلق بقوله تعالى فاستشهدوا فيلزم الفصل بين اشتراط المرأتين وبين تعليله وقوله عز وجل «من الشهداء» متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير المحذوف الراجع إلى الموصول أي ممن ترضونهم كائنين من بعض الشهداء لعلمكم بعدالتهم وثقتكم بهم وادراج النساء في الشهداء بطريق التغليب «أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى» تعليل لاعتبار العدد في النساء والعلة في الحقيقة هي التذكير ولكن الضلال لما كان سببا له نزل منزلته كما في قولك أعددت السلاح ان يجيء عدو فأدفعه كأنه قيل أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت الشهادة بأن نسيتها ولعل إيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال ان تضل إحداهما فتذكرها الأخرى لتأكيد الإبهام والمبالغة في الاحتراز عن توهم اختصاص الضلال بإحداهما بعينها والتذكير بالأخرى وقرئ فتذكر من الأذكار وقرئ فتذاكر وقرئ أن تضل على الشرط فتذكر بالرفع كقوله تعالى ومن عاد فينتقم الله منه «ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا» لأداء
(٢٧٠)