تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٧٥
حيث كانت من الأمور الغيبية التي لا يوقف عليها الا من جهة العليم الخبير كان الايمان بها مصداقا لما ذكر في صدر السورة الكريمة من الايمان بالغيب واما الايمان بكتبه تعالى فإشارة إلى ما في قوله تعالى يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك هذا هو اللائق بشأن التنزيل والحقيق بمقداره الجليل وقد جوز أن يكون قوله تعالى والمؤمنون معطوفا على الرسول فيوقف عليه والضمير الذي عوض عنه التنوين راجع إلى المعطوفين معا كأنه قيل آمن الرسول والمؤمنون بما أنزل اليه من ربه ثم فصل ذلك وقيل كل واحد من الرسول والمؤمنين آمن بالله الخ خلا أنه قدم المؤمن به على المعطوف اعتناء بشأنه وإيذانا بأصالته عليه السلام في الايمان به ولا يخفى أنه مع خلوه عما في الوجه الأول من كمال اجلال شأنه عليه السلام وتفخيم ايمانه مخل بجزالة النظم الكريم لأنه ان حمل كل من الإيمانين على ما يليق بشأنه عليه السلام من حيث الذات ومن حيث التعلق بالتفاصيل استحال اسنادهما إلى غيره عليه السلام وضاع التكرير وان حملا على ما يليق بشأن آحاد الأمة كان ذلك حطا لرتبته العلية عليه السلام وأما حملهما على ما يليق بكل واحد ممن نسبا إليه من الآحاد ذاتا وتعلقا بأن يحملا بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم على الإيمان العياني المتعلق بجميع التفاصيل وبالنسبة إلى آحاد الأمة على الإيمان المكتسب من جهته عليه السلام اللائق بحالهم في الإجمال والتفصيل فاعتساف بين ينبغي تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله وقوله تعالى «لا نفرق بين أحد من رسله» في حيز النصب بقول مقدر على صيغة الجمع رعاية لجانب المعنى منصوب على أنه حال من ضمير آمن أو مرفوع على أنه خبر آخر لكل أي يقولون لا نفرق بينهم بأن نؤمن ببعض منهم ونكفر بآخرين بل نؤمن بصحة رسالة كل واحد منهم قيدوا به إيمانهم تحقيقا للحق وتخطئة لأهل الكتابين حيث أجمعوا على الكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم واستقلت اليهود بالكفر بعيسى عليه السلام أيضا على أن مقصودهم الأصلي إبراز إيمانهم بما كفروا به من رسالته عليه السلام لا لإظهار موافقتهم لهم فيما آمنوا به وهذا كما ترى صريح في أن القائلين آحاد المؤمنين خاصة إذ لا يمكن أن يسند إليه عليه السلام أن يقول لا أفرق بين أحد من رسله وهو يريد به إظهار إيمانه برسالة نفسه وتصديقه في دعواها وعدم التعرض لنفى التفريق بين الكتب لاستلزام المذكور إياه وإنما لم يعكس مع تحقق التلازم من الطرفين لما أن الأصلي في تفريق المفرقين هو الرسل وكفرهم بالكتب متفرع على كفرهم بهم وقرئ بالياء على إسناد الفعل إلى كل وقرئ لا يفرقون حملا على المعنى كما في قوله تعالى «وكل أتوه داخرين» فالجملة نفسها حال من الضمير المذكور وقيل خبر ثان لكل كما قيل في القول المقدر فلا بد من اعتبار الكلية بعد النفي دون العكس إذ المراد شمول النفي لا نفى الشمول والكلام في همزة أحد وفي دخول بين عليه قد مر تفصيله عند قوله تعالى «لا نفرق بين أحد منهم» وفيه من الدلالة صريحا على تحقق عدم التفريق بين كل فرد فرد منهم وبين من عداه كائنا من كان ما ليس في ان يقال لا نفرق بين رسله وإيثار إظهار الرسل على الإضمار الواقع مثله في قوله تعالى «وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم» إما للاحتراز عن توهم اندارج الملائكة في الحكم أو للإشعار بعلة عدم التفريق أو للإيماء إلى عنوانه لأن المعتبر عدم التفريق من حيث الرسالة دون سائر الحيثيات الخاصة «وقالوا» عطف على آمن وصيغة الجمع باعتبار جانب المعنى وهو حكاية لامتثالهم بالأوامر إثر حكاية
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271