وهي: (و اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)
العلم، و مظنة اقتداء العامة لهم من قوله: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم و أوفوا بعهدي) [البقرة: ٤٠] الآيات، فأطنب في تذكيرهم بنعم الله و أيامه لهم، و وصف ما لاقوا به نعمه الجمة من الانحراف عن الصراط السوي انحرافا بلغ بهم حد الكفر، و ذلك جامع لخلاصة تكوين أمة إسرائيل و جامعتهم في عهد موسى ثم ما كان من أهم أحداثهم مع الأنبياء الذين قفوا موسى إلى أن تلقوا دعوة الإسلام بالحسد و العداوة حتى على الملك جبريل و بيان أخطائهم، لأن ذلك يلقي في النفوس شكا في تأهلهم للاقتداء بهم. و ذكر من ذلك نموذجا من أخلاقهم في تعلق الحياة (و لتجدنهم أحرص الناس على حياة) [البقرة: ٩٦] و محاولة العمل بالسحر (و اتبعوا ما تتلوا الشياطين) [البقرة: ١٠٢] إلخ، و أذى النبي بموجة الكلام (لا تقولوا راعنا) [البقرة: ١٠٤].
ثم قرن اليهود والنصارى والمشركين في قرن حسدهم المسلمين و السخط على الشريعة الجديدة (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و لا المشركين - إلى قوله - و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون) [البقرة:
١٠٥ - ١١٢] ثم ما أثير من الخلاف بين اليهود و النصارى، و ادعاء كل فريق أنه هو المحق (و قالت اليهود ليست النصارى على شئ - إلى - يختلفون) [البقرة: ١١٢] ثم خص المشركين بأنهم أظلم هؤلاء الأصناف الثلاثة، لأنهم منعوا المسلمين من ذكر الله في المسجد الحرام، و سمحوا بذلك في خرابه، و أنهم تشابهوا في ذلك هم و اليهود و النصارى و اتحدوا في كراهية الإسلام.
و الاحتراز عن إجابتها في الذين كفروا منهم، و أن الإسلام على أساس ملة إبراهيم و هو التوحيد، و أن اليهودية و النصرانية ليستا ملة إبراهيم، و أن من ذلك الرجوع إلى استقبال الكعبة، ادخره الله للمسلمين آية على أن الإسلام هو القائم على أساس الحنيفية، و ذكر شعائر الله بمكة، وإبكات أهل الكتاب في طعنهم على تحويل القبلة، و إن العناية بتزكية النفوس أجدر من العناية باستقبال الجهات: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) [البقرة: ١٧٧] و ذكروا بنسخ الشرائع لصلاح الأمم، و أنه لا بدع في نسخ شريعة التوراة أو الإنجيل بما هو خير منهما. ثم عاد إلى محاجة المشركين بآثار صنعة الله (إن في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار و الفلك) [البقرة: ١٦٤] إلخ و محاجة المشركين في يوم يتبرءون فيه من قادتهم، و إبطال مزاعم دين الفريقين في محرمات من الأكل (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) [البقرة: ١٧٢] و قد كمل ذلك بذكر صنف من الناس قليل، و هم المشركون الذين لم يظهروا الإسلام و لكنهم أظهروا مودة المسلمين (و من الناس من يعجبكم قوله في الحياة الدنيا) [البقرة: ٢٠٤].
و لما قضى حق ذلك كله بأبدع بيان و أوضح برهان انتقل إلى قسم تشريعات الإسلامية إجمالا بقوله:
(ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب) [البقرة: ١٧٧] ثم تفضيلا: القصاص، الوصية، الصيام، الاعتكاف، الحج، الجهاد، و نظام المعاشرة و العائلة والمعاملات المالية، و الإنفاق في سبيل الله و الصدقات، و المسكرات، واليتامى، و المواريث، و البيوع، و الربا، و الديوان، و الإشهاد، والرهن، و النكاح، و أحكام النساء و العدة والطلاق، و الرضاع، و النفقات، و الأيمان.
و ختمت السورة بالدعاء المتضمن لخصائص الشريعة الإسلامية، و ذلك من جوامع الكلم، فكان هذا الختام تذليلا و فذلكة: (لله ما في السماوات و ما في الأرض و إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه).
البقرة: 284] الآيات.
و كانت في خلال ذلك كله أغراض شتى سيقت في معرض الاستطراد في متفرق المناسبات، تجديدا