فمثلا في سورة الحجرات يقول: وهي مدنية بإجماع، و يقول في " ق ": وهي مكية بإجماع، وفي سورة الأنفال: مدنية كلها، قال مجاهد: إلا آية واحدة، وهي قوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا...) الآية.
وفي سورة هود: " مكية إلا نحو ثلاث آيات.. " وهكذا.
سابعا: ذكره للقراءات الواردة في الآية:
وبداية، فإن للقراءات الواردة في كتاب الله (تعالى) أثرا كبيرا في إثراء التفاسير بالمعاني المختلفة المتنوعة، مع اشتراط ما اشترطه أهل هذا لفن من ضوابط للقراءة المقبولة، واختلاف هذه القراءات له فوائد جمة:
منها: جمع الأمة الإسلامية الجديدة على لسان واحد يوحد بينها، وهو لسان قريش الذي نزل به القرآن الكريم، والذي انتظم كثيرا من مختارات ألسنة القبائل العربية التي كانت تختلف إلى مكة في موسم الحج، وأسواق العرب المشهورة، فكان القرشيون يستملحون ما شاءوا، ويصطفون ما راق لهم من ألفاظ الوفود العربية القادمة إليهم من كل صوب وحدب، ثم يصقلونه ويهذبونه، ويدخلونه في دائرة لغتهم المرنة، التي أذعن جميع العرب لها بالزعامة، وعقدوا لها راية الإمامة.
وعلى هذه السياسة الرشيدة نزل القرآن على سبعة أحرف يصطفي ما شاء من لغات القبائل العربية، على نمط سياسة القرشيين، بل أوفق. ومن هنا صح أن يقال: إنه نزل بلغة قريش، لأن لغات العرب جمعاء تمثلت في لسان القرشيين بهذا المعنى، وكانت هذه الحكمة إلهية سامية، فإن وحدة اللسان العام من أهم العوامل في وحدة الأمة، خصوصا أول عهد بالتوثب والنهوض.
ومنها: بيان حكم من الأحكام، كقوله سبحانه: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) (النساء: 12) قرأ سعد بن أبي وقاص: " وله أخ أو أخت من أم " بزيادة لفظ: " من أم "، فتبين بها أن المراد بالإخوة في هذا الحكم الإخوة للأم دون الأشقاء، ومن كانوا لأب، وهذا أمر مجمع عليه.
ومثل ذلك قوله سبحانه في كفارة اليمين: (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة) (المائدة: 89)، وجاء في قراءة: " أو تحرير رقبة مؤمنة " بزيادة لفظ " مؤمنة " فتبين بها اشتراط الإيمان في الرقيق الذي يعتق كفارة يمين.