والذي يظهر في ذلك أن الموجب لتقديم (الغرابيب) هو تناسب الكلم وجريانها على نمط متساوي التركيب، وذلك أنه لما تقدم البيض والحمر دون اتباع كان الأليق بحسن النسق وترتيب النظام أن يكون (السود) كذلك، ولكنه لما كان في (السود) هنا زيادة الوصف، كان الأليق في المعنى أن يتبع بما يقتضي ذلك، وهو الغرابيب، فيقابل حظ اللفظ وحظ المعنى، فوفى الخطاب وكمل الغرضان جميعا، ولم يطرح أحدهما الآخر، فيقع النقص من جهة الطرح، وذلك بتقديم (الغرابيب) على (السود) فوقع في لفظ (الغرابيب) حظ المعنى في زيادة الوصف. وفي ذكر (السود) مفردا " من الاتباع حظ اللفظ، إذا جاء مجردا " عن صورة البيض والحمر، فاتسقت الألفاظ كما ينبغي، وتم المعنى كما يجب، ولم يخل بواحدة من الوجهين، ولم يقتصر على (الغرابيب) وإن كانت متضمنه لمعنى (السود)، لئلا تتنافر الألفاظ، فإن ضم الغربيب إلى البيض والحمر ولزها في قرن واحد:
* كابن اللبون إذا ما لز في قرن * غير مناسب لتلاؤم الألفاظ وتشاكلها، وبذكر السود وقع الالتئام واتسق نسق النظام، وجاء اللفظ والمعنى في درجة التمام، وهذا لعمر الله من العجائب التي تكل دونها العقول، وتعيابها الألسن لا تدري ما تقول! والحمد لله.