لأن العبرة في النهي عن اتخاذ الإلهين، إنما هو لمحض كونهما اثنين فقط، ولو وصف (إلهين) بغير ذلك من الصفات، كقوله: (لا تتخذوا الهين عاجزين) لأشعر بأن القادرين يجوز أن يتخذا، فمعنى التثنية شامل لجميع الصفات، فسبحان من دقت حكمته في كل شئ!
ونظير هذا ما قال الأخفش في قوله: (فإن كانتا اثنتين).
الثاني: أن الوحدة تطلق ويراد بها النوعية، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما نحن وبنو عبد المطلب شئ واحد)، وتطلق ويراد بها العدد، نحو (إنما زيد رجل واحد)، فالتثنية باعتبارها. فلو قيل: (لا تتخذوا إلهين) فقط لصح في موضوعه أن يكون نهيا عن اتخاذ جنسين آلهة، وجاز أن يتخذ من نوع واحد أعداد آلهة، لأنه يطلق عليهم أنهم واحد، لا سيما وقد يتخيل أن الجنس الواحد لا تتضاد الرحمن مطلوباته، فيصح، فلما قال: (اثنين) بين فيه قبح التعديد للإله وأنه منزه عن العددية. وقد أومأ إليه الزمخشري بقوله:
(ألا ترى أنك لو قلت: إنما هو إله ولم تصفه بواحد لم يحسن، وقيل لك: إنك نفيت الإلهية لا الوحدانية).
الثالث: أنه لما كان النهي واقعا " على التعدد والاثنينية دون الواحد أتى بلفظ الاثنين، لأن قولك: (لا تتخذ ثوبين) يحتمل النهي عنهما جميعا "، ويحتمل النهي عن الاقتصار عليهما، فإذا قلت: (ثوبين اثنين) علم المخاطب أنك نهيته عن التعدد والاثنينية دون الواحد، وأنك إنما أردت منه الاقتصار على ثوب واحد، فتوجه النفي إلى نفس التعدد العدد،