أن ينصف المخاطب إذا رجع إلى نفسه استدراجا لاستدراجه الخصم إلى الاذعان والتسليم، وهو شبيه بالجدل، لأنه تصرف في المغالطات الخطابية.
ومنه قوله تعالى: (إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب) (1)، المقصود التعريض بذم من ليست له هذه الخشية، وأن يعرف أنه لفرط عناده كأنه ليس له أذن تسمع، ولا قلب يعقل، وأن الإنذار له كلا إنذار، وأنه قد أنذر من له هذه الصفة، وليست له.
وقوله: (إنما يتذكر أولو الألباب) القصد التعريض، وأنهم لغلبه هواهم في حكم من ليس له عقل.
وقوله تعالى: (ذق إنك أنت العزيز الكريم)، نزلت في أبي جهل لأنه قال:
(ما بين أخشبيها - أي جبليها، يعني مكة - أعز مني ولا أكرم)، وقيل: بل خوطب بذلك استهزاء.
[التوجيه] وأما التوجيه، وهو ما احتمل معنيين ويؤتى به عند فطنة المخاطب، كقوله تعالى حكاية عن أخت موسى عليه السلام: (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون) (4)، فإن الضمير في (له) يحتمل أن يكون لموسى، وأن يكون لفرعون.
قال ابن جريج: وبهذا تخلصت أخت موسى من قولهم: (إنك عرفته)، فقالت:
أردت: (ناصحون للملك)، واعترض عليه بأن هذا في لغة العرب لا في كلامها المحكي