وآبائكم في ضلال مبين (54) قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين (55) قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين (56) قوله تعالى: (ولقد آتينا إبراهيم رشده) قال الفراء: أي أعطيناه هداه. (من قبل) أي من قبل النبوة، أي وفقناه للنظر والاستدلال، لما جن عليه الليل فرأى النجم والشمس والقمر. وقيل: " من قبل " أي من قبل موسى وهرون. والرشد على هذا النبوة. وعلى الأول أكثر أهل التفسير، كما قال ليحيى: " وآتيناه الحكم صبيا " (1) [مريم: 12]. وقال القرظي: رشده صلاحه. (وكنا به عالمين) أي إنه أهل لايتاء الرشد وصالح للنبوة.
قوله تعالى: (إذ قال لأبيه) قيل: المعنى أي أذكر حين قال لأبيه، فيكون الكلام قد تم عند قوله: " وكنا به عالمين ". وقيل: المعنى، " وكنا به عالمين إذ قال " فيكون الكلام متصلا ولا يوقف على قوله: " عالمين ". " لأبيه " وهو آزر " وقومه " نمرود ومن اتبعه.
(ما هذه التماثيل) أي الأصنام. والتمثال اسم موضوع للشئ المصنوع مشبها بخلق من خلق الله تعالى. يقال: مثلت الشئ بالشئ أي شبهته به. واسم ذلك الممثل تمثال. (التي أنتم لها عاكفون) أي مقيمون على عبادتها. (قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين) أي نعبدها تقليدا لأسلافنا. (قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين) أي في خسران بعبادتها، إذ هي جمادات لا تنفع ولا تضر ولا تعلم. (قالوا أجئتنا بالحق) أي أجاء أنت بحق فيما تقول؟ (أم أنت من اللاعبين) أي لاعب مازح. (قال بل ربكم رب السماوات والأرض) أي لست بلاعب، بل ربكم والقائم بتدبيركم خالق السماوات والأرض. (الذي فطرهن) أي خلقهن وأبدعهن.
(وأنا على ذلكم من الشاهدين) أي على أنه رب السماوات والأرض. والشاهد يبين الحكم، ومنه " شهد الله " (2) [آل عمران: 18] بين الله، فالمعنى: وأنا أبين بالدليل ما أقول.
قوله تعالى: وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين (57) فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون (58)