قوله تعالى: (وأرادوا به كيدا) أي أراد نمروذ وأصحابه أن يمكروا به (فجعلناهم الأخسرين) [أي] (1) في أعمالهم، ورددنا مكرهم عليهم بتسليطنا أضعف خلقنا. قال (2) ابن عباس: سلط الله عليهم أضعف خلقه البعوض، فما برح نمروذ حتى رأى عظام أصحابه وخيله تلوح، أكلت لحومهم وشربت دماءهم، ووقعت واحدة في منخره فلم تزل تأكل إلى أن وصلت دماغه، وكان أكرم الناس عليه الذي يضرب رأسه بمرزبة من حديد. فأقام بهذا نحوا من أربعمائة سنة.
قوله تعالى: (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) يريد نجينا إبراهيم ولوطا إلى [الأرض] (1) أرض الشام وكانا بالعراق. وكان [إبراهيم] (3) عليه السلام [عمه لوط] (4)، قاله ابن عباس. وقيل: لها مباركة لكثرة خصبها وثمارها وأنهارها، ولأنها معادن الأنبياء. والبركة ثبوت الخير، ومنه برك البعير إذا لزم مكانه فلم يبرح. وقال ابن عباس: الأرض المباركة مكة. وقيل:
بيت المقدس، لان منها بعث الله أكثر الأنبياء، وهي أيضا كثيرة الخصب والنمو، عذبة الماء، ومنها يتفرق في الأرض. قال أبو العالية: ليس ماء عذب إلا يهبط من السماء إلى الصخرة التي ببيت المقدس، ثم يتفرق في الأرض. ونحوه عن كعب الأحبار. وقيل: الأرض المباركة مصر.
قوله تعالى: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة) أي زيادة، لأنه دعا في إسحاق وزيد يعقوب من غير دعاء فكان ذلك نافلة، أي زيادة على ما سأل، إذ قال: " رب هب لي من الصالحين " (5) [الصافات: 100]. ويقال لولد الولد نافلة، لأنه زيادة على الولد. (وكلا جعلنا صالحين) أي وكلا من إبراهيم وإسحق ويعقوب جعلناه صالحا عاملا بطاعة الله. وجعلهم صالحين إنما يتحقق بخلق الصلاح والطاعة لهم، وبخلق القدرة على الطاعة، ثم ما يكتسبه العبد فهو مخلوق لله تعالى.
قوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) أي رؤساء يقتدى بهم في الخيرات وأعمال الطاعات. ومعنى " بأمرنا " أي بما أنزلنا عليهم من الوحي والامر والنهي، فكأنه قال يهدون بكتابنا وقيل: المعنى يهدون الناس إلى ديننا بأمرنا إياهم بإرشاد الخلق، ودعائهم إلى التوحيد. (وأوحينا إليهم فعل الخيرات) أي أن يفعلوا الطاعات. (وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) أي مطيعين.