قوله تعالى: (وتالله لأكيدن أصنامكم) أخبر أنه لم يكتف بالمحاجة باللسان بل كسر أصنامهم فعل واثق بالله تعالى، موطن نفسه على مقاساة المكروه في الذب عن الدين. والتاء في " تالله " تختص في القسم باسم الله وحده، والواو تختص بكل مظهر، والباء بكل مضمر ومظهر. قال الشاعر: (1) تالله يبقى على الأيام ذو حيد * بمشمخر به الظيان والآس وقال ابن عباس: أي وحرمة الله لأكيدن أصنامكم، أي لأمكرن بها. والكيد المكر. كاده يكيده كيدا ومكيدة، وكذلك المكايدة، وربما سمى الحرب كيدا، يقال: غزا فلان فلم يلق كيدا، وكل شئ تعالجه فأنت تكيده. (بعد أن تولوا مدبرين) أي منطلقين ذاهبين.
وكان لهم في كل سنة عيد يجتمعون فيه، فقالوا لإبراهيم: لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا - روى ذلك عن ابن مسعود على ما يأتي بيانه في " والصافات " (2) - فقال إبراهيم في نفسه: " وتالله لأكيدن أصنامكم ". قال مجاهد وقتادة: إنما قال ذلك إبراهيم في سر من قومه، ولم يسمعه إلا رجل واحد وهو الذي أفشاه عليه. والواحد يخبر عنه بخبر الجمع إذا كان ما أخبر به مما يرضى به غيره. ومثله " يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " (2) [المنافقون: 8]. وقيل: إنما قاله بعد خروج القوم، ولم يبق منهم إلا الضعفاء فهم الذين سمعوه.
وكان إبراهيم احتال في التخلف عنهم بقوله: " إني سقيم " (2) [الصافات: 89] أي ضعيف عن الحركة.
قوله تعالى: (فجعلهم جذاذا) أي فتاتا. والجذ الكسر والقطع، جذذت الشئ كسرته وقطعته. والجذاذ والجذاذ ما كسر منه، والضم أفصح من كسره. قاله الجوهري.
الكسائي: ويقال لحجارة الذهب جذاذ، لأنها تكسر. وقرأ الكسائي والأعمش وابن محيصن:
" جذاذا " بكسر الجيم، أي كسرا وقطعا جمع جذيذ وهو الهشيم، مثل خفيف وخفاف وظريف وظراف. قال الشاعر:
جذذ الأصنام في محرابها * ذاك في الله العلي المقتدر