قوله تعالى: (وهو الذي خلق الليل والنهار) ذكرهم نعمة أخرى: جعل لهم الليل ليسكنوا فيه، والنهار ليتصرفوا فيه لمعايشهم. (الشمس والقمر) أي وجعل الشمس آية النهار، والقمر آية الليل، لتعلم الشهور والسنون والحساب، كما تقدم في " سبحان " (1) بيانه.
(كل) يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار (في فلك يسبحون) أي يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء. قال الله تعالى وهو أصدق القائلين:
" والسابحات (2) سبحا " ويقال للفرس الذي يمد يده في الجري سابح. وفيه من النحو أنه لم يقل: يسبحن ولا تسبح، فمذهب سيبويه: أنه لما أخبر عنهن بفعل من يعقل وجعلهن في الطاعة بمنزلة من يعقل، أخبر عنهن بالواو والنون ونحوه قال الفراء. وقد تقدم هذا المعنى في " يوسف " (3). وقال الكسائي: إنما قال: " يسبحون " لأنه رأس آية، كما قال الله تعالى: " نحن جميع منتصر " (4) [القمر: 44] ولم يقل منتصرون. وقيل: الجري للفلك فنسب إليها.
والأصح أن السيارة تجري في الفلك، وهي سبعة أفلاك دون السماوات المطبقة، التي هي مجال الملائكة وأسباب الملكوت، فالقمر في الفلك الأدنى، ثم عطارد، ثم الزهرة، ثم الشمس، ثم المريخ، ثم المشتري ثم زحل، والثامن فلك البروج، والتاسع الفلك الأعظم. والفلك واحد أفلاك النجوم. قال أبو عمرو: ويجوز أن يجمع على فعل مثل أسد وأسد وخشب وخشب. وأصل الكلمة من الدوران، ومنه فلكة المغزل، لاستدارتها. ومنه قيل: فلك ثدي المرأة تفليكا، وتفلك استدار. وفي حديث ابن مسعود: تركت فرسي كأنه يدور في فلك. كأنه لدورانه شبهه بفلك السماء الذي تدور عليه النجوم. قال ابن زيد: الأفلاك مجاري النجوم والشمس والقمر. قال: وهي بين السماء والأرض. وقال قتادة: الفلك استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء. وقال مجاهد: الفلك كهيئة حديد الرحى وهو قطبها. وقال الضحاك: فلكها مجراها وسرعة مسيرها. وقيل: الفلك موج مكفوف ومجرى الشمس والقمر فيه، والله أعلم.