الناس، فأحبه عدو الله حبا شديدا لا يتمالك أن يصبر عنه. وظاهر القرآن يدل على أن البحر ألقاه بساحله وهو شاطئه، فرأى فرعون التابوت بالساحل فأمر بأخذه. ويحتمل أن يكون إلقاء اليم بموضع من الساحل، فيه فوهة (1) نهر فرعون، ثم أداه النهر إلى حيث البركة. والله أعلم.
وقيل: وجدته ابنة فرعون وكان بها برص، فلما فتحت التابوت شفيت. وروي أنهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه، وعالجوا كسره فأعياهم، فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا فعالجته ففتحته، فإذا صبي نوره بين عينيه، وهو يمص إبهامه لبنا فأحبوه. وكانت لفرعون بنت برصاء، وقال له الأطباء: لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد فيه شبه إنسان دواؤها ريقه، فلطخت البرصاء برصها بريقه فبرئت. وقيل: لما نظرت إلى وجهه برئت. والله أعلم. وقيل: وجدته جوار لامرأة فرعون، فلما نظر إليه فرعون فرأى صبيا من أصبح الناس وجها، فأحبه فرعون. فذلك قوله تعالى: (وألقيت عليك محبة مني) قال ابن عباس: أحبه الله وحببه إلى خلقه. وقال ابن عطية (2): جعل عليه مسحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه. وقال قتادة: كانت في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه وعشقه. وقال عكرمة: المعنى جعلت فيك حسنا وملاحة فلا يراك أحد إلا أحبك.
وقال الطبري: المعنى ألقيت عليك رحمتي. وقال ابن زيد: جعلت من رآك أحبك حتى أحبك فرعون فسلمت من شره، وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك. (ولتصنع على عيني) قال ابن عباس: يريد أن ذلك بعيني حيث جعلت في التابوت، وحيث ألقي التابوت في البحر، وحيث التقطك جواري امرأة فرعون، فأردن أن يفتحن التابوت لينظرن ما فيه، فقالت منهن واحدة: لا تفتحنه حتى تأتين به سيدتكن فهو أحظى لكن عندها، وأجدر بألا تتهمكن بأنكن وجدتن فيه شيئا فأخذتموه لأنفسكن. وكانت امرأة فرعون لا تشرب من الماء إلا ما استقينه أولئك الجواري. فذهبن بالتابوت إليها مغلقا، فلما فتحته رأت صبيا لم ير مثله قط، وألقى عليها محبته فأخذته فدخلت به على فرعون، فقالت له: [القصص: 9] " قرة عين لي ولك " (3) قال لها فرعون:
أما لك فنعم، وأما لي فلا. فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن فرعون قال