الثالثة - واختلف الناس في معنى قوله: (لينا) فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة:
معناه كنياه، وقاله ابن عباس ومجاهد والسدي. ثم قيل: وكنيته أبو العباس. وقيل:
أبو الوليد. وقيل: أبو مرة، فعلى هذا القول تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف وطمع بإسلامه. وقد (1) يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه، لان الطمع ليس بحقيقة توجب عملا.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه) ولم يقل وإن طمعتم في إسلامه، ومن الاكرام دعاؤه بالكنية. وقد قال صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية: (أنزل أبا وهب) فكناه. وقال لسعد: (ألم تسمع ما يقوله أبو حباب) يعني عبد الله بن أبي. وروى في الإسرائيليات أن موسى عليه السلام قام على باب فرعون سنة، لا يجد رسولا يبلغ كلاما حتى خرج. فجرى له ما قص الله علينا من ذلك، وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين، وربك أعلم بالمهتدين. وقيل قال له موسى: تؤمن بما جئت به، وتعبد رب العالمين، على أن لك شبابا لا يهرم إلى الموت، وملكا لا ينزع منك إلى الموت، وينسأ في أجلك أربعمائة سنة، فإذا مت دخلت الجنة. فهذا القول اللين. وقال ابن مسعود:
القول اللين قوله تعالى " فقل هل لك إلى أن تزكى. وأهديك إلى ربك فتخشى " (2) [النازعات: 18 - 19]. وقد قيل أن القول اللين قول موسى: يا فرعون إنا رسولا ربك رب العالمين. فسماه بهذا الاسم لأنه [كان] (3) أحب إليه مما سواه مما قيل له، كما يسمى عندنا الملك ونحوه.
قلت: القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه، يقال: لان الشئ يلين لينا، وشئ لين ولين مخفف منه، والجمع أليناء. فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا، فمن دونه أحرى بأن يقتدى بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه. وقد قال الله تعالى:
" وقولوا للناس حسنا " (4) [البقرة: 83]. على ما تقدم في " البقرة " بيانه والحمد لله.
الرابعة - قوله تعالى: (لعله يتذكر أو يخشى) معناه: على رجائكما وطمعكما، فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر، قاله كبراء النحويين: سيبويه وغيره. وقد تقدم في أول (البقرة) (5). قال الزجاج: " لعل " لفظة طمع وترج فخاطبهم بما يعقلون. وقيل " لعل " هاهنا بمعنى