قلت: وهذا فيه نظر، لأنه لو كان ذلك لما قال فرعون: " ولا يكاد يبين " حين كلمه موسى بلسان ذلق فصيح. والله أعلم. وقيل: إن تلك العقدة حدثت بلسانه عند مناجاة ربه، حتى لا يكلم غيره إلا بإذنه. (يفقهوا قولي) أي يعملوا ما أقوله لهم ويفهموه (1).
والفقه في كلام العرب الفهم. قال أعرابي لعيسى بن عمر: شهدت عليك بالفقه. تقول منه: فقه الرجل بالكسر. وفلان لا يفقه ولا ينقه (2). وأفقهتك الشئ. ثم خص به علم الشريعة، والعالم به فقيه. وقد فقه بالضم فقاهة وفقهه الله وتفقه إذا تعاطى ذلك. وفاقهته إذا باحثته في العلم، قاله الجوهري. والوزير المؤازر كالأكيل المؤاكل، لأنه يحمل عن السلطان وزره أي ثقله. في كتاب النسائي عن القاسم بن محمد: سمعت عمتي (3) تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه). ومن هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام: (ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصمه الله) رواه البخاري. فسأل موسى الله تعالى أن يجعل له وزيرا، إلا أنه لم يرد أن يكون مقصورا على الوزارة حتى لا يكون شريكا له في النبوة، ولولا ذلك لجاز أن يستوزره من غير مسألة. وعين فقال " هارون " وانتصب على البدل من قوله: " وزيرا ". أو يكون منصوبا ب " - اجعل " على التقديم والتأخير، والتقدير:
واجعل لي هارون أخي وزيرا. وكان هارون أكبر من موسى بسنة، وقيل: بثلاث.
(اشدد به أزرى) أي ظهري. والأزر الظهر من موضع الحقوين، ومعناه تقوى به نفسي، والأزر القوة وأزره قواه. ومنه قوله تعالى: " فآزره فاستغلظ " (4) [الفتح: 29] وقال أبو طالب: (5) أليس أبونا هاشم شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب وقيل: الأزر العون، أي يكون عونا يستقيم به أمري. قال الشاعر:
شددت به أزري وأيقنت أنه * أخو الفقر من ضاقت عليه مذاهبه