لان زيادة المرض غير متحققة، لأنها قد تكون وقد لا تكون، ولا يجوز ترك الفرض المتيقن للخوف المشكوك. قلنا: قد ناقضت، فإنك قلت إذا خاف التلف من البر تيمم، فكما يبيح التيمم خوف التلف كذلك، يبيحه خوف المرض، لان المرض محذور كما أن التلف محذور.
قال: وعجبا للشافعي يقول: لو زاد الماء على قدر قيمته حبة لم يلزمه شراؤه صيانة للمال ويلزمه التيمم، وهو يخاف على بدنه المرض! وليس لهم [عليه (1)] كلام يساوي سماعه).
قلت: الصحيح من قول (2) الشافعي فيما قال القشيري أبو نصر عبد الرحيم في تفسيره:
والمرض الذي يباح له التيمم هو الذي يخاف فيه فوت الروح أو فوات بعض الأعضاء لو استعمل الماء. فإن خاف طول المرض فالقول الصحيح للشافعي: جواز التيمم. روى أبو داود والدار قطني، عن يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن ابن جبير، عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو: (صليت بأصحابك وأنت جنب)؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله عز وجل يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) فضحك نبي الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا. فدل هذا الحديث على إباحة التيمم مع الخوف لا مع اليقين، وفيه إطلاق اسم الجنب على المتيمم وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين، وهذا أحد القولين عندنا، وهو الصحيح [وهو (3)] الذي أقرأه مالك في موطئه وقرئ عليه إلى أن مات. والقول الثاني - أنه لا يصلى، لأنه أنقص فضيلة من المتوضئ، وحكم الامام أن يكون أعلى رتبة، وقد روى الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤم المتيمم المتوضئين) إسناده ضعيف. وروى أبو داود والدار قطني عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم، فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: