في قومه وهم كفرة (عدو لكم) فلا دية فيه، وإنما كفارته تحرير الرقبة. وهو المشهور من قول مالك، وبه قال أبو حنيفة. وسقطت الدية لوجهين: أحدهما - أن أولياء القتيل كفار فلا يصح أن تدفع إليهم فيتقووا (1) بها. والثاني - أن حرمة هذا الذي آمن ولم يهاجر قليلة، فلا دية، لقوله تعالى: (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا (2)). وقالت طائفة: بل الوجه في سقوط الدية أن الأولياء كفار فقط، فسواء كان القتل خطأ بين أظهر المسلمين أو بين قومه ولم يهاجر أو هاجر ثم رجع إلى قومه كفارته التحرير ولا دية فيه، إذ لا يصح دفعها إلى الكفار، ولو وجبت الدية لو جبت لبيت المال على بيت المال، فلا تجب الدية في هذا الموضع وإن جرى القتل في بلاد (3) الاسلام. هذا قول الشافعي وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو ثور. وعلى القول الأول إن قتل المؤمن في بلاد المسلمين وقومه حرب ففيه الدية لبيت المال والكفارة.
قلت: ومن هذا الباب ما جاء في صحيح مسلم عن أسامة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات (4) من جهينة فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذ كرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أقال لا إله إلا الله وقتلته)! قال: قلت يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، قال: (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟). فلم يحكم عليه صلى الله عليه وسلم بقصاص ولا دية. وروي عن أسامة أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لي بعد ثلاث مرات، وقال: (أعتق رقبة) ولم يحكم بقصاص ولا دية. فقال علماؤنا: أما سقوط القصاص فواضح إذ لم يكن القتل عدوانا، وأما سقوط الدية فلاوجه ثلاثة: الأول - لأنه كان أذن له في أصل القتال فكان عنه إتلاف نفس محترمة غلطا كالخاتن والطبيب.
الثاني - لكونه من العدو ولم يكن له ولي من المسلمين تكون له ديته، لقوله تعالى:
(فإن كان من قوم عدو لكم) كما ذكرنا. الثالث - أن أسامة اعترف بالقتل ولم تقم بذلك بينة ولا تعقل العاقلة اعترافا، ولعل أسامة لم يكن له مال تكون فيه الدية. والله أعلم.