قلت: وأما ما حكاه الخطابي من أنه لا يعلم من قال بحديث عمرو بن شعيب فقد حكاه ابن المنذر عن طاوس ومجاهد، إلا أن مجاهدا جعل مكان بنت مخاض ثلاثين جذعة.
قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول. يريد قول عبد الله وأصحاب الرأي الذي ضعفه الدارقطني والخطابي، وابن عبد البر قال: لأنه الأقل مما قيل، وبحديث (1) مرفوع رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم يوافق هذا القول.
قلت - وعجبا لابن المنذر؟ مع نقده واجتهاده كيف قال بحديث لم يوافقه أهل النقد على صحته! لكن الذهول والنسيان قد يعتري الانسان، وإنما الكمال لعزة ذي الجلال.
السادسة - ثبتت الاخبار عن النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة، وأجمع أهل العلم على القول به. وفي إجماع أهل العلم أن الدية في الخطأ على العاقلة دليل على أن المراد من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي رمثة حيث دخل عليه ومعه ابنه: (إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه) العمد دون الخطأ. وأجمعوا على أن ما زاد على ثلث الدية على العاقلة. واختلفوا في الثلث، والذي عليه جمهور العلماء أن العاقلة لا تحمل عمدا ولا اعترافا ولا صلحا، ولا تحمل من دية الخطأ إلا ما جاوز الثلث، وما دون الثلث في مال الجاني. وقالت طائفة: عقل الخطأ على عاقلة الجاني، قلت الجناية أو كثرت، لان من غرم الأكثر غرم الأقل. كما عقل العمد في مال الجاني قل أو كثر، هذا قول الشافعي.
السابعة - وحكمها أن تكون منجمة على العاقلة، والعاقلة العصبة. وليس ولد المرأة إذا كان من غير عصبتها من العاقلة، ولا الاخوة من الام بعصبة لإخوتهم من الأب والام، فلا يعقلون عنهم شيئا. وكذلك الديوان لا يكون عاقلة في قول جمهور أهل الحجاز. وقال الكوفيون: يكون عاقلة إن كان من أهل الديوان، فتنجم الدية على العاقلة في ثلاثة أعوام على ما قضاه عمر وعلي، لان الإبل قد تكون حوامل فتضر به. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيها دفعة واحدة لأغراض، منها أنه كان يعطيها صلحا وتسديدا. ومنها أنه كان يعجلها تأليفا. فلما تمهد الاسلام قدرتها الصحابة على هذا النظام، قاله ابن العربي. وقال أبو عمر: