الثانية - قوله تعالى: (الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) هذا استثناء منقطع، أي ولكن تجارة عن تراض. والتجارة هي البيع والشراء، وهذا مثل قوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) على ما تقدم (1). وقرئ (تجارة)، بالرفع أي إلا أن تقع تجارة، وعليه أنشد سيبويه:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي * إذا كان يوم يوم ذو كواكب أشهب وتسمى هذه كان التامة، لأنها تمت بفاعلها ولم تحتج إلى مفعول. وقرئ (تجارة) بالنصب، فتكون كان ناقصة، لأنها لا تتم بالاسم دون الخبر، فاسمها مضمر فيها، وإن شدت قدرته، أي إلا أن تكون الأموال أموال تجارة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وقد تقدم هذا، ومنه قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة (1)).
الثالثة - قوله تعالى: (تجارة) التجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة، ومنه الاجر الذي يعطيه البارئ سبحانه العبد عوضا عن الأعمال الصالحة التي هي بعض من فعله، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم (2)) وقال تعالى:
(يرجون تجارة لن تبور (3)). وقال تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم (4)) الآية. فسمى ذلك كله بيعا وشراء على وجه المجاز، تشبيها بعقود الأشرية والبياعات التي تحصل بها الاغراض، وهي نوعان: تقلب في الحضر من غير نقلة ولا سفر، وهذا تربص واحتكار قد رغب عنه أولو الاقدار، وزهد فيه ذوو الاخطار. والثاني تقلب المال بالاسفار ونقله إلى الأمصار، فهذا أليق بأهل المروءة، وأعم جدوى ومنفعة، غير أنه أكثر خطرا وأعظم غررا.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المسافر وماله لعلى قلت (5) إلا ما وقى الله).
يعني على خطر. وقيل: في التوراة يا بن آدم، أحدث سفرا أحدث لك رزقا. الطبري:
وهذه الآية أدل دليل على فساد قول... (6)...