احتج بعضهم بعموم قوله: (إلا ما ملكت أيمانكم) وقياسا على المسبيات. وما ذكرناه من حديث بريرة يخصه ويرده، وأن ذلك إنما هو خاص بالمسبيات على حديث أبي سعيد، وهو الصواب والحق إن شاء الله تعالى. وفي الآية قول ثالث - روى الثوري (1) عن مجاهد عن إبراهيم قال ابن مسعود في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) قال: ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين. وقال علي بن أبي طالب: ذوات الأزواج من المشركين. وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب (والمحصنات من النساء) هن ذوات الأزواج، ويرجع ذلك إلى أن الله حرم الزنى. وقالت طائفة: المحصنات في هذه الآية يراد به العفائف، أي كل النساء حرام. وألبسهن اسم الاحصان من كان منهن ذات زوج أو غير ذات زوج، إذ الشرائع في أنفسها تقتضي ذلك.
(الا ما ملكت أيمانكم) قالوا: معناه بنكاح أو شراء. هذا قول أبي العالية وعبيدة السلماني وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء، ورواه عبيدة عن عمر، فأدخلوا النكاح تحت ملك اليمين، ويكون معنى الآية عندهم في قوله تعالى: (إلا ما ملكت أيمانكم) يعني تملكون عصمتهن بالنكاح وتملكون الرقبة بالشراء، فكأنهن كلهن ملك يمين وما عدا ذلك فزنى، وهذا قول حسن. وقد قال ابن عباس: (المحصنات) العفائف من المسلمين ومن أهل الكتاب. قال ابن عطية: وبهذا التأويل يرجع معنى الآية إلى تحريم الزنى، وأسند الطبري أن رجلا قال لسعيد بن جبير: أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية فلم يقل فيها شيئا؟ فقال سعيد: كان ابن عباس لا يعلمها. وأسند أيضا عن مجاهد أنه قال: لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل: قوله (والمحصنات) إلى قوله (حكيما). قال ابن عطية: ولا أدري كيف نسب هذا القول إلى ابن عباس ولا كيف انتهى مجاهد إلى هذا القول؟
الثالثة - قوله تعالى: (كتاب الله عليكم) نصب على المصدر المؤكد، أي حرمت هذه النساء كتابا من الله عليكم. ومعنى (حرمت عليكم) كتب الله عليكم. وقال الزجاج