في حكمه، لا بدلالة الظاهر. وقال ابن عمر وابن الزبير وابن عباس والشافعي وأهل المدينة:
المراد بالآية حصر العدو، لان الآية نزلت في سنة ست في عمرة الحديبية حين صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة. قال ابن عمر: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه. ودل على هذا قوله تعالى: " فإذا أمنتم ". ولم يقل: برأتم، والله أعلم.
الثالثة - جمهور الناس على أن المحصر بعدو يحل حيث أحصر وينحر هديه إن كان ثم هدي ويحلق رأسه. وقال قتادة وإبراهيم: يبعث بهديه إن أمكنه، فإذا بلغ محله (1) صار حلالا.
وقال أبو حنيفة: دم الاحصار لا يتوقف على يوم النحر، بل يجوز ذبحه قبل يوم النحر إذا بلغ محله، وخالفه صاحباه فقالا: يتوقف على يوم النحر، وإن نحر قبله لم يجزه. وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان.
الرابعة - الأكثر من العلماء على أن من أحصر بعدو كافر أو مسلم أو سلطان حبسه في سجن أن عليه الهدى، وهو قول الشافعي، وبه قال أشهب. وكان ابن القاسم يقول:
ليس على من صد عن البيت في حج أو عمرة هدى إلا أن يكون ساقه معه، وهو قول مالك.
ومن حجتهما أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نحر يوم الحديبية هديا قد كان أشعره وقلده (2) حين أحرم بعمرة، فلما لم يبلغ ذلك الهدى محله للصد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحر، لأنه كان هديا وجب بالتقليد والاشعار، وخرج لله فلم يجز الرجوع فيه، ولم ينحره رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل الصد، فلذلك لا يجب على من صد عن البيت هدى. واحتج الجمهور بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل يوم الحديبية ولم يحلق رأسه حتى نحر الهدى، فدل ذلك على أن من شرط إحلال المحصر ذبح هدى إن كان عنده، وإن كان فقيرا فمتى وجده وقدر عليه لا يحل إلا به، وهو مقتضى قوله: " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ".