هكذا قال، جعل الأول ثلاثيا من حصرت، والثاني في المرض رباعيا. وعلى هذا خرج قول ابن عباس: لا حصر إلا حصر العدو. وقال ابن السكيت: أحصره المرض إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها. وقد حصره العدو يحصرونه إذا ضيقوا عليه فأطافوا به، وحاصروه محاصرة وحصارا. قال الأخفش: حصرت الرجل فهو محصور، أي حبسته.
قال: وأحصرني بولي، وأحصرني مرضى، أي جعلني أحصر نفسي. قال أبو عمرو الشيباني:
حصرني الشئ وأحصرني، أي حبسني.
قلت: فالأكثر من أهل اللغة على أن " حصر " في العدو، و " أحصر " في المرض، وقد قيل ذلك في قول الله تعالى: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " (1) [البقرة: 273]. وقال ابن ميادة:
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت * عليك ولا أن أحصرتك شغول وقال الزجاج: الاحصار عند جميع أهل اللغة إنما هو من المرض، فأما من العدو فلا يقال فيه إلا حصر، يقال: حصر حصرا، وفي الأول أحصر إحصارا، فدل على ما ذكرناه. وأصل الكلمة من الحبس، ومنه الحصير للذي يحبس نفسه عن البوح بسره. والحصير: الملك لأنه كالمحبوس من وراء الحجاب. والحصير الذي يجلس عليه لانضمام بعض طاقات البردي (2) إلى بعض، كحبس الشئ مع غيره.
الثانية - ولما كان أصل الحصر الحبس قالت الحنفية: المحصر من يصير ممنوعا من مكة بعد الاحرام بمرض أو عدو أو غير ذلك. واحتجوا بمقتضى الاحصار مطلقا، قالوا: وذكر الامن في آخر الآية لا يدل على أنه لا يكون من المرض، قال صلى الله عليه وسلم:
(الزكام أمان من الجذام)، وقال: (من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص واللوص والعلوص). الشوص: وجع السن. واللوص: وجع الاذن. والعلوص: وجع البطن.
أخرجه ابن ماجة في سننه. قالوا: وإنما جعلنا حبس العدل حصارا قياسا على المرض إذا كان