الزخرف: 32. ولم يذمه تعالى في شئ من كلامه الا إذا صحب هوى النفس وخالف هدى العقل.
وليس منه الاختلاف في الدين فان الله سبحانه يذكر انه فطر الناس على معرفته وتوحيده وسوى نفس الانسان فألهمها فجورها وتقواها، وان الدين الحنيف هو من الفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ولذلك نسب الاختلاف في الدين في مواضع من كلامه إلى بغى المختلفين فيه وظلمهم و " ما اختلفوا فيه الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ".
وقد جمع الله الاختلافين في قوله: " كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه - وهذا هو الاختلاف الأول في الحياة والمعيشة - وما اختلف فيه - وهذا هو الاختلاف الثاني في الدين - الا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه " البقرة: 213 فهذا ما يعطيه كلامه تعالى في معنى الاختلاف.
والذي ذكره بقوله: " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة " يريد به رفع الاختلاف من بينهم وتوحيدهم على كلمة واحدة يتفقون فيه، ومن المعلوم انه ناظر إلى ما ذكره تعالى في الآيات السابقة على هذه الآية من اختلافهم في أمر الدين وانقسامهم إلى طائفة أنجاهم الله وهم قليل وطائفة أخرى وهم الذين ظلموا.
فالمعنى انهم وان اختلفوا في الدين فإنهم لم يعجزوا الله بذلك ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة لا يختلفون في الدين فهو نظير قوله: " وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين " النحل: 9 وقوله: " ا فلم ييأس الذين آمنوا ان لو يشاء الله لهدى الناس جميعا " الرعد: 31.
وعلى هذا فقوله: " ولا يزالون مختلفين " انما يعنى به الاختلاف في الدين فحسب فان ذلك هو الذي يذكر لنا ان لو شاء لرفعه من بينهم، والكلام في تقدير: لو شاء الله لرفع الاختلاف من بينهم لكنه لم يشأ ذلك فهم مختلفون دائما.
على أن قوله: " الا من رحم ربك " يصرح انه رفعه عن طائفة رحمهم، والاختلاف في غير الدين لم يرفعه الله تعالى حتى عن الطائفة المرحومة وانما رفع عنهم الاختلاف