تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٥٧
وافسد من ذلك قوله: ان المخاطب الأول بهذا النهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والسابقون الأولون ولم يكونوا مظنة للانقطاع إلى ظلمة المشركين والانحطاط في هواهم والرضا باعمالهم الخ فان فيه اولا: ان الخطاب خطاب واحد موجه إليه صلى الله عليه وآله وسلم وإلى أمته، ولا أول فيه ولا ثاني، وتقدم بعض المخاطبين على بعض زمانا لا يوجب قصور الخطاب عن شمول بعض ما في اللاحقين مما ليس في السابقين إذا شمله اللفظ.
وثانيا: ان عدم كون المخاطب مظنة للمعصية لا يمنع من توجيه النهى إليه وخاصة النواهي الصادرة عن مقام التشريع وانما يمنع عن تأكيده والالحاح عليه وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عما هو أعظم من الركون إلى الذين ظلموا كالشرك بالله وعن ترك تبليغ بعض أوامره ونواهيه، قال تعالى: " ولقد اوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " الزمر: 65، وقال: " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته " المائدة: 67، وقال: " يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ان الله كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك " الأحزاب: 2 ولا يظن به صلى الله عليه وآله وسلم ان يشرك بربه البتة، ولا ان لا يبلغ ما انزل إليه من ربه أو يطيع الكافرين والمنافقين أو لا يتبع ما يوحى إليه من ربه إلى غير ذلك من النواهي.
وكذا السابقون الأولون نهوا عن أمور هي أعظم من الركون المذكور أو مثله كقوله: " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " نزلت في أهل بدر وفيهم السابقون الأولون وقد وصف بعضهم بقوله: " الذين ظلموا " وهو أشد لحنا من قوله:
" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا "، وكعدة من النواهي الواردة في كلامه في قصص بدر وأحد وحنين، والنواهي الموجهة إلى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكل ذلك مما لم يكن يظن بالسابقين الأولين ان يبتلوا به على أن بعضهم ابتلى ببعضها بعد.
الثالث: ان الآية بما لها من السياق المؤيد باشعار المقام انما تنهى عن الركون إلى الذين ظلموا فيما هم فيه ظالمون أي بناء المسلمين دينهم الحق أو حياتهم الدينية على شئ من ظلمهم وهو ان يراعوا في قولهم الحق وعملهم الحق جانب ظلمهم وباطلهم حتى يكون في ذلك احياء للحق بسبب احياء الباطل، ومآله إلى احياء حق بإماتة حق آخر كما تقدمت الإشارة إليه.
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست