تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٥٦
في دين أو حياة دينية، وقد وثق النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ما خرج من مكة ليلا إلى الغار برجل مشرك استأجر منه راحلة للطريق وائتمنه ليوافيه بها في الغار بعد ثلاثة أيام، وكان يعامل هو وكذا المسلمون بمرئى ومسمع منه الكفار والمشركين.
الثاني: ان الركون المنهى عنه في الآية أخص من الولاية المنهى عنها في آيات أخرى كثيرة فان الولاية هي الاقتراب منهم بحيث يجعل المسلمين في معرض التأثر من دينهم أو أخلاقهم أو السنن الظالمة الجارية في مجتمعاتهم وهم أعداء الدين، واما الركون إليهم فهو بناء الدين أو الحياة الدينية على ظلمهم فهو أخص من الولاية موردا أي ان كل مورد فيه ركون ففيه ولاية من غير عكس كلى، وبروز الأثر في الركون بالفعل وفي الولاية أعم مما يكون بالفعل.
ويظهر من جمع من المفسرين ان الركون المنهى عنه في الآية هو الولاية المنهى عنها في آيات اخر.
قال صاحب المنار في تفسيره بعد ما نقل عن الزمخشري قوله: ان النهى في الآية متناول للانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم والرضا باعمالهم، والتشبه بهم والتزيي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم، وتأمل قوله: " ولا تركنوا " فان الركون هو الميل اليسير، وقوله: " إلى الذين ظلموا " أي إلى الذين وجد منهم الظلم، ولم يقل: إلى الظالمين. انتهى.
أقول: كل ما أدغمه في النهى عن الركون إلى الذين ظلموا قبيح في نفسه لا ينبغي للمؤمن اجتراحه، وقد يكون من لوازم الركون الحقيرة ولكن لا يصح ان يجعل شئ منه تفسيرا للآية مرادا منها، والمخاطب الأول بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والسابقون الأولون إلى التوبة من الشرك والايمان معه، ولم يكن أحد منهم مظنة للانقطاع بظلمة المشركين، والانحطاط في هواهم، والرضا باعمالهم. إلى آخر ما اطنب فيه.
وقد ناقض فيه نفسه اولا حيث اعترف بكون بعض الأمور المذكورة من لوازم الركون لكنه استحقرها ونفى شمول الآية لها، والمعصية كلها عظيمة لا يستهان بها غير أن أكثر المفسرين هذا دأبهم لا ينقبضون عن نسبة بعض المساهلات إلى بيانه تعالى.
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»
الفهرست