تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٦٠
مختلفين: الناجون بانجاء الله والمجرمون ولذلك عقبه بقوله: " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك. " قوله تعالى: " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " أي لم يكن من سنته تعالى اهلاك القرى التي أهلها مصلحون لان ذلك ظلم ولا يظلم ربك أحدا فقوله:
" بظلم " قيد توضيحي لا احترازي، ويفيد ان سنته تعالى عدم اهلاك القرى المصلحة لكونه من الظلم " وما ربك بظلام للعبيد ".
قوله تعالى: " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك - إلى قوله - أجمعين " الخلف خلاف القدام وهو الأصل فيما اشتق من هذه المادة من المشتقات يقال: خلف أباه أي سد مسده لوقوعه بعده، واخلف وعده أي لم يف به كأنه جعله خلفه، ومات وخلف ابنا أي تركه خلفه، واستخلف فلانا أي طلب منه ان ينوب عنه بعد غيبته أو موته أو بنوع من العناية كاستخلاف الله تعالى آدم وذريته في الأرض، وخالف فلان فلانا وتخالفا إذا تفرقا في رأى أو عمل كأن كلا منهما يجعل الاخر خلفه، وتخلف عن امره إذا ادبر ولم يأتمر به، واختلف القوم في كذا إذا خالف بعضهم بعضا فيه فجعله خلفه، واختلف القوم إلى فلان إذا دخلوا عليه واحدا بعد واحد، واختلف فلان إلى فلان إذا دخل عليه مرات كل واحدة بعد أخرى.
ثم الاختلاف ويقابله الاتفاق من الأمور التي لا يرتضيها الطبع السليم لما فيه من تشتيت القوى وتضعيفها وآثار أخرى غير محمودة من نزاع ومشاجرة وجدال وقتال وشقاق كل ذلك يذهب بالأمن والسلام غير أن نوعا منه لا مناص منه في العالم الانساني وهو الاختلاف من حيث الطبائع المنتهية إلى اختلاف البنى فان التركيبات البدنية مختلفة في الافراد وهو يؤدى إلى اختلاف الاستعدادات البدنية والروحية وبانضمام اختلاف الأجواء والظروف إلى ذلك يظهر اختلاف السلائق والسنن والآداب والمقاصد والأعمال النوعية والشخصية في المجتمعات الانسانية، وقد أو ضحت الأبحاث الاجتماعية ان لولا ذلك لم يعش المجتمع الانساني ولا طرفة عين.
وقد ذكره الله تعالى في كتابه ونسبه إلى نفسه حيث قال: " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا "
(٦٠)
مفاتيح البحث: الظلم (1)، الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»
الفهرست