وفي الآية الكريمة من لحن التشديد ما لا يخفى فلا يحس فيها بشئ من آثار الرحمة وأمارات الملاطفة وقد تقدمها من الآيات ما يتضمن من حديث مؤاخذة الأمم الماضية والقرون الخالية بأعمالهم واستغناء الله سبحانه عنهم ما تصعق له النفوس وتطير القلوب.
غير ما في قوله: " فاستقم كما أمرت " من إفراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالذكر وإخراجه من بين المؤمنين تشريفا لمقامه لكن ذلك يفيد بلوغ التشديد في حقه فإن تخصيصه قبلا بالذكر يوجب توجه هول الخطاب وروع التكليم من مقام العزة والكبرياء إليه وحده عدل ما يتوجه إلى جميع الأمة إلى يوم القيامة كما وقع نظير التشديد في قوله تعالى 6 " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف المماة " أسرى: 75.
ولذلك ذكر أكثر المفسرين أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " شيبتني سورة هود " ناظر إلى هذه الآية، وسيوافيك الكلام فيه في البحث الروائي الآتي إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " قال في الصحاح ركن إليه كنصر، ركونا مال وسكن، و والركن بالضم الجانب الأقوى. والامر العظيم والعز والمنعة انتهى وعن لسان العرب مثله، وعن المصباح ان الركون هو الاعتماد على الشئ.
وقال الراغب ركن الشئ جانبه الذي يسكن إليه، ويستعار للقوة، قال تعالى:
" لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد " وركنت إلى فلان أركن بالفتح والصحيح ان يقال: ركن يركن - كنصر - وركن يركن كعلم - قال تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا " وناقة مركنة الضرع له أركان تعظمه والمركن الإجابة، وأركان العبادات جوانبها التي عليها مبناها، وبتركها بطلانها. انتهى وهذا قريب مما ذكره في المصباح.
والحق انه الاعتماد على الشئ عن ميل إليه لا مجرد الاعتماد فحسب ولذلك عدى بإلى لا بعلى وما ذكره أهل اللغة تفسير له بالأعم من معناه على ما هو دأبهم.
فالركون إلى الذين ظلموا هو نوع اعتماد عليهم عن ميل إليهم اما في نفس الدين كأن يذكر بعض حقائقه بحيث ينتفعون به أو يغمض عن بعض حقائقه التي يضرهم افشاؤها، واما في حياة دينية كأن يسمح لهم بنوع من المداخلة في ادارة أمور المجتمع الديني