تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٧٠
وكذلك الأخلاق والسجايا الانسانية شديدة التأثير في نوع تخيله فالذي يحب انسانا أو عملا لا ينفك يتخيله في يقظته ويراه في نومته والضعيف النفس الخائف الذعران إذا فوجئ بصوت يتخيل اثره أمور هائلة لا إلى غاية وكذلك البغض والعداوة والعجب والكبر والطمع ونظائرها كل منها يجر الانسان إلى تخيله صور متسلسلة تناسبه وتلائمه وقل ما يسلم الانسان من غلبة بعض هذه السجايا على طبعه.
ولذلك كان أغلب الرؤى والمنامات من التخيلات النفسانية التي ساقها إليها شئ من الأسباب الخارجية والداخلية الطبيعية أو الخلقية ونحوها فلا تحكى النفس بحسب الحقيقة الا كيفية عمل تلك الأسباب واثرها فيها فحسب لا حقيقة لها وراء ذلك.
وهذا هو الذي ذكره منكروا حقيقة الرؤيا من علماء الطبيعة لا يزيد على تعداد هذه الأسباب المؤثرة في الخيال العمالة في ادراك الانسان.
ومن المسلم ما اورده غير أنه لا ينتج الا ان كل الرؤيا ليس ذا حقيقة وهو غير المدعى وهو ان كل منام ليس ذا حقيقة فان هناك منامات صالحة ورؤيا صادقة تكشف عن حقائق ولا سبيل إلى انكارها ونفى الرابطة بينها وبين الحوادث الخارجية والأمور المستكشفة كما تقدم.
فقد ظهر مما بينا ان جميع الرؤى لا تخلو عن حقيقة بمعنى ان هذه الادراكات المتنوعة المختلفة التي تعرض النفس الانسانية في المنام وهى المسماة بالرؤى لها أصول وأسباب تستدعى وجودها للنفس وظهورها للخيال وهى على اختلافها تحكى وتمثل بأصولها وأسبابها التي استدعتها فلكل منام تأويل وتعبير غير أن تأويل بعضها السبب الطبيعي العامل في البدن في حال النوم وتأويل بعضها السبب الخلقي وبعضها أسباب متفرقة اتفاقية كمن يأخذه النوم وهو متفكر في أمر مشغول النفس به فيرى في حلمه ما يناسب ما كان ذاهنا له.
وانما البحث في نوع واحد من هذه المنامات وهى الرؤى التي لا تستند إلى أسباب خارجية طبيعية أو مزاجية أو اتفاقية ولا إلى أسباب داخلية خلقية أو غير ذلك ولها ارتباط بالحوادث الخارجية والحقائق الكونية 3 - المنامات الحقة: المنامات التي لها ارتباط بالحوادث الخارجية وخاصة المستقبلة
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»
الفهرست