الديني الذي يذمه وينسبه إلى البغى بعد العلم بالحق.
وقوله: " الا من رحم ربك " استثناء من قوله: " ولا يزالون مختلفين " أي الناس يخالف بعضهم بعضا في الحق ابدا الا الذين رحمهم الله فإنهم لا يختلفون في الحق ولا يتفرقون عنه، والرحمة هي الهداية الإلهية كما يفيده قوله: " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه " البقرة: 213.
فان قلت: معنى اختلاف الناس ان يقابل بعضهم بعضا بالنفي والاثبات فيصير معنى قوله: " ولا يزالون مختلفين " انهم منقسمون دائما إلى محق ومبطل، ولا يصح حينئذ ورود الاستثناء عليه الا بحسب الأزمان دون الافراد وذلك أن انضمام قوله:
" الا من رحم ربك " إليه يؤول المعنى إلى مثل قولنا: انهم منقسمون دائما إلى مبطلين ومحقين الا من رحم ربك منهم فإنهم لا ينقسمون إلى قسمين، بل يكونون محقين فقط، ومن المعلوم ان المستثنين منهم هم المحقون فيرجع معنى الكلام إلى مثل قولنا: ان منهم مبطلين ومحقين والمحقون محقون لا مبطل فيهم، وهذا كلام لا فائدة فيه.
على أنه لا معنى لاستثناء المحقين من حكم الاختلاف أصلا وهم من الناس المختلفين، والاختلاف قائم بهم وبالمبطلين معا.
قلت: الاختلاف المذكور في هذه الآية سائر الآيات المتعرضة له الذامة لأهله انما هو الاختلاف في الحق ومخالفة البعض للبعض في الحق وان كانت توجب كون بعض منهم على الحق وعلى بصيرة من الامر لكنه إذا نسب إلى المجموع وهو المجتمع كان لازمه ارتياب المجتمع وتفرقهم عن الحق وعدم اجتماعهم عليه وتركهم إياه بحياله، ومقتضاه اختفاء الحق عنهم وارتيابهم فيه.
والله سبحانه انما يذم الاختلاف من جهة لازمه هذا وهو التفرق والاعراض عن الحق والآيات تشهد بذلك فإنه تعالى يذم فيها جميع المختلفين باختلافهم لا المبطلين من بينهم فلو لا ان المراد بالمختلفين أهل الآراء أو الأعمال المختلفة التي تفرقهم عن الحق لم يصح ذلك.
ومن أحسن ما يؤيده قوله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ان أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه "