تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٠٣
قوله تعالى: " وجاؤا على قميصه بدم كذب " الكذب بالفتح فالكسر مصدر أريد به الفاعل للمبالغة أي بدم كاذب بين الكذب.
وفي الآية اشعار بان القميص وعليه دم وقد نكر الدم للدلالة على هو ان دلالته وضعفها على ما وصفوه كان على صفة تكشف عن كذبهم في مقالهم فان من افترسته السباع وأكلته لم تترك له قميصا سالما غير ممزق وهذا شان الكذب لا يخلو الحديث الكاذب ولا الأحدوثة الكاذبة من تناف بين اجزائه وتناقض بين أطرافه أو شواهد من أوضاع وأحوال خارجية تحف به وتنادى بالصدق وتكشف القناع عن قبيح سريرته وباطنه وان حسنت صورته.
(كلام في أن الكذب لا يفلح) من المجرب ان الكذب لا يدوم على اعتباره وان الكاذب لا يلبث دون ان يأتي بما يكذبه أو يظهر ما يكشف القناع عن بطلان ما أخبر به أو ادعاه والوجه فيه ان الكون يجرى على نظام يرتبط به بعض اجزائه ببعض بنسب وإضافات غير متغيرة ولا متبدلة فلكل حادث من الحوادث الخارجية الواقعة لوازم وملزومات متناسبة لا ينفك بعضها من بعض ولها جميعا فيما بينها احكام وآثار يتصل بعضها ببعض ولو اختل واحد منها لاختل الجميع وسلامة الواحد تدل على سلامة السلسلة وهذا قانون كلى غير قابل لورود الاستثناء عليه.
فلو انتقل مثلا جسم من مكان إلى مكان آخر في زمان كان من لوازمه ان يفارق المكان الأول ويبتعد منه ويغيب عنه وعن كل ما يلازمه ويتصل به ويخلو عنه المكان الأول ويشغل به الثاني وان يقطع ما بينهما من الفصل إلى غير ذلك من اللوازم ولو اختل واحد منها كأن يكون في الزمان المفروض شاغلا للمكان الأول اختلت جميع اللوازم المحتفة به.
وليس في وسع الانسان ولا أي سبب مفروض إذا ستر شيئا من الحقائق الكونية بنوع من التلبيس ان يستر جميع اللوازمات والملزومات المرتبطة به أو ان يخرجها عن
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»
الفهرست