تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٥٩
واجتماعهما أحسن وسيلة يستعان بها على النوائب والمكاره فالصبر يحفظ النفس عن القلق والجزع والانهزام، والصلاة توجهها إلى ناحية الرب تعالى فتنسى ما تلقاه من المكاره، وقد تقدم بيان في ذلك في تفسير الآية 45 من سورة البقرة في الجزء الأول من الكتاب.
واطلاق الامر بالصبر يعطى ان المراد به الأعم من الصبر على العبادة والصبر عن المعصية والصبر عند النائبة، وعلى هذا يكون أمرا بالصبر على جميع ما تقدم من الا وامر والنواهي أعني قوله: " فاستقم " " ولا تطغوا " " ولا تركنوا " " واقم الصلاة ".
لكن افراد الامر وتخصيصه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يفيد انه صبر في أمر يختص به والا قيل: " واصبروا " جريا على السياق، وهذا يؤيد قول من قال: ان المراد اصبر على اذى قومك في طريق دعوتك إلى الله سبحانه وظلم الظالمين منهم، واما قوله: " واقم الصلاة " فإنه ليس أمرا بما يخصه صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة بل أمر بإقامته الصلاة بمن تبعه من المؤمنين جماعة فهو أمر لهم جميعا بالصلاة فافهم ذلك.
وقوله: " فان الله لا يضيع اجر المحسنين " تعليل للامر بالصبر.
قوله تعالى: " فلو لا كان من القرون من قبلكم اولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض " الخ لولا بمعنى هلا والا يفيد التعجيب والتوبيخ، والمعنى هلا كان من القرون التي كانت من قبلكم وقد أفنيناها بالعذاب والهلاك اولوا بقية أي قوم باقون ينهون عن الفساد في الأرض ليصلحوا بذلك فيها ويحفظوا أمتهم من الاستئصال.
وقوله: " الا قليلا ممن أنجينا منهم " استثناء من معنى النفي في الجملة السابقة فان المعنى: من العجب انه لم يكن من القرون الماضية مع ما رأوا من آيات الله وشاهدوا من عذابه بقايا ينهون عن الفساد في الأرض الا قليلا ممن أنجينا من العذاب والهلاك منهم فإنهم كانوا ينهون عن الفساد.
وقوله: " واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين " بيان حال الباقي منهم بعد الاستثناء وهم أكثرهم وعرفهم بأنهم الذين ظلموا وبين انهم اتبعوا لذائذ الدنيا التي أترفوا فيها وكانوا مجرمين.
وقد تحصل بهذا الاستثناء وهذا الباقي الذي ذكر حالهم تقسيم الناس إلى صنفين.
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»
الفهرست