الشورى: 13 حيث عبر عن الاختلاف بالتفرق، وكذا قوله: " وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " الانعام: 153 وهذا أوضح دلالة من سابقه فإنه يجعل أهل الحق الملازمين لسبيله خارجا من أهل التفرق والاختلاف.
ولذلك ترى انه سبحانه في غالب ما يذكر اختلافهم في الكتاب يردفه بارتيابهم فيه كقوله فيما مر من الآيات: " ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم وانهم لفى شك منه مريب " آية 110 من السورة وقد كرر هذا المعنى في مواضع من كلامه.
وقال تعالى: " عم يتساءلون عن النباء العظيم الذي هم فيه مختلفون " النبأ: 3 أي يأتي فيه كل بقول يبعدهم من الحق فيتفرقون وقال: " انكم لفى قول مختلف يؤفك عنه من افك قتل الخراصون " الذاريات: 10 أي قول لا يقف على وجه ولا يبتنى على علم بل الخرص والظن هو الذي أوجده فيكم.
وفي هذا المعنى قوله تعالى: " يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون " آل عمران: 71 فان هذا اللبس المذموم منهم انما كان باظهار قول يشبه الحق وليس به وهو القاء التفرق الذي يختفى به الحق.
فالمراد باختلافهم ايجادهم اقوا لا وآراء يتفرقون بها عن الحق ويظهر بها الريب فهم لا تباعهم أهواءهم المخالفة للحق يظهرون آرائهم الباطلة في صور متفرقة تضاهي صورة الحق ليحجبوه عن افهام الناس بغيا وعدوانا بعد علمهم بالحق فهو اختلافهم في الحق بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم.
ويتبين بما تقدم على طوله ان الإشارة بقوله: " ولذلك خلقهم " إلى الرحمة المدلول عليه بقوله: " الا من رحم ربك " والتأنيث اللفظي في لفظ الرحمة لا ينافي تذكير اسم الإشارة لان المصدر جائز الوجهين، قال تعالى: " ان رحمة الله قريب من المحسنين " الأعراف: 56 وذلك لأنك عرفت ان هذا الاختلاف بغى منهم يفرقهم عن الحق ويستره ويظهر الباطل ولا يجوز كون الباطل غاية حقيقية للحق تعالى في خلقه، ولا معنى لان يوجد الله سبحانه العالم الانساني ليبغوا ويميتوا الحق ويحيوا الباطل فيهلكهم ثم يعذبهم بنار خالدة، فالقرآن الكريم يدفع هذا بجميع بياناته.