تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٤٩
الامر بإظهار الثبات على العبودية ولزوم القيام بحقها، ثم نهى عن تعدي هذا الطور والاستكبار عن الخضوع لله والخروج بذلك عن زي العبودية فقيل: " ولا تطغوا " كما فعل ذلك الأمم الماضية، ولم يكونوا مبتلين إلا بالافراط دون التفريط والاستكبار دون التذلل.
وقوله: " ومن تاب معك " عطف على الضمير المستكن في " استقم " أي استقم أنت ومن تاب معك أي استقيموا جميعا وإنما أخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بينهم وأفرده بالذكر معهم تشريفا لمقام النبوة، وعلى ذلك تجري سنته تعالى في كلامه كقوله تعالى: " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون " البقرة: 285 وقوله: " يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه " التحريم: 8.
على أن الامر الذي تقيد به قوله: " فاستقم " أعني قوله: " كما أمرت " يختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يشاركه فيه غيره فان ما ذكر من مثل قوله: " فأقم وجهك للدين " " الخ " خاص به فلو قيل: فاستقيموا لم يصح تقييده بالامر السابق.
والمراد بمن تاب مع النبي المؤمنون الذين رجعوا إلى الله بالايمان وإطلاق التوبة على أصل الايمان - وهو رجوع من الشرك - كثير الورود في القرآن كقوله تعالى: " ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك " المؤمن: 7 إلى غير ذلك.
وقوله: " ولا تطغوا " أي لا تتجاوزوا حدكم الذي خطته لكم الفطرة والخلقة وهو العبودية لله وحده كما تجاوزه الذين قبلكم فأفضاهم إلى الشرك وساقهم إلى الهلكة، والظاهر أن الطغيان بهذا المعنى مأخوذ من طغى الماء إذا جاوز حده ثم استعير لهذا الامر المعنوي الذي هو طغيان الانسان في حياته لتشابه الأثر وهو الفساد.
وقوله: " إنه بما تعملون بصير " تعليل لمضمون ما تقدمه، ومعنى الآية أثبت على دين التوحيد والزم طريق العبودية من غير تزلزل وتذبذب، وليثبت الذين آمنوا معك، ولا تتعدوا الحد الذي حد لكم لان الله بصير بما تعملون فيؤاخذكم لو خالفتم أمره.
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست