تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٧٤
اولهما عمدة ما تتعرض له هذه الآيات.
والمعنى وكما أنزلنا على الذين أوتوا الكتاب كتابهم أنزلنا هذا القرآن عليك بلسانك مشتملا على حكم أو حاكما بين الناس ولئن اتبعت أهواء أهل الكتاب فتمنيت ان ينزل عليك آية غير القرآن كما يقترحون أو داهنتهم وملت إلى اتباع بعض ما عندهم من الاحكام المنسوخة أو المحرفة أخذناك بالعقوبة وليس لك ولي يلي امرك من دون الله ولا واق يقيك منه فالخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو المراد به دون الأمة كما ذكره بعضهم.
قوله تعالى: " ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول ان يأتي بآية الا بإذن الله لكل اجل كتاب لما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اتباع أهوائهم فيما اقترحوا عليه من انزال آية غير القرآن ذكره بحقيقة الحال التي تؤيسه من الطمع في ذلك ويعزم عليه ان يتوكل على الله ويرجع إليه الأمور.
وهو ان سنة الله الجارية في الرسل ان يكونوا بشرا جارين على السنة المألوفة بين الناس من غير أن يتعدوها فيملكوا شيئا مما يختص بالغيب كأن يكونوا ذا قوة غيبية فعالة لما تشاء قديرة على كل ما أرادت أو أريد منها حتى تأتى بكل آية شاءت الا ان يأذن الله له فليس للرسول وهو بشر كسائرهم من الامر شئ بل لله الامر جميعا.
فهو الذي ينزل الآية ان شاء غير أنه سبحانه انما ينزل من الآيات إذا اقتضته الحكمة الإلهية وليست الأوقات مشتركة متساوية في الحكم والمصالح والا لبطلت الحكمة واختل نظام الخليقة بل لكل وقت حكمة تناسبه وحكم يناسبه فلكل وقت آية تخصه.
وهذا هو الذي تشير إليه الآية فقوله: " ولقد أرسلنا من قبلك رسلا وجعلنا لهم أزواجا وذرية " إشارة إلى السنة الجارية في الرسل من البشرية العادية وقوله: " وما كان لرسول ان يأتي بآية الا بإذن الله " إشارة إلى حرمانهم من القدرة الغيبية المستقلة بكل ما أرادت الا ان يمدهم الاذن الإلهي.
وقوله لكل اجل أي وقت محدود كتاب أي حكم مقضى مكتوب يخصه إشارة إلى ما يلوح إليه استثناء الاذن وسنة الله الجارية فيه والتقدير فالله سبحانه هو الذي ينزل ما شاء وياذن فيما شاء لكنه لا ينزل ولا يأذن في كل آية في كل وقت فان لكل وقت كتابا كتبه لا يجرى فيه الا ما فيه.
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»
الفهرست