في أنفسها ومن ذواتها بان يتعين لكل اجل كتاب في نفسه لا يتغير عن وجهه بل الله سبحانه هو الذي يعين ذلك بتبديل كتاب مكان كتاب ومحو كتاب واثبات آخر.
وقوله: " وعنده أم الكتاب " أي أصله فان الام هي الأصل الذي ينشأ منه الشئ ويرجع إليه وهو دفع للدخل وإبانة لحقيقة الامر فان اختلاف حال الكتاب المكتوب لأجل بالمحو والاثبات أي تغير الحكم المكتوب والقول المقضى به حينا بعد حين ربما اوهم ان الأمور والقضايا ليس لها عند الله سبحانه صورة ثابتة وانما يتبع حكمه العلل والعوامل الموجبة له من خارج كأحكامنا وقضايانا معاشر ذوي الشعور من الخلق أو ان حكمه جزافي لا تعين له في نفسه ولا مؤثر في تعينه من خارج كما ربما يتوهم أرباب العقول البسيطة ان الذي له ملك بكسر اللام مطلق وسلطنة مطلقة له ان يريد ما يشاء ويفعل ما يريد على حرية مطلقة من رعاية أي قيد وشرط وسلوك أي نظام أو لا نظام في عمله فلا صورة ثابتة لشئ من أفعاله وقضاياه عنده وقد قال تعالى: " ما يبدل القول لدى " ق: 29 وقال: " وكل شئ عنده بمقدار " الرعد: 8 إلى غير ذلك من الآيات.
فدفع هذا الدخل بقوله " وعنده أم الكتاب " أي أصل جنس الكتاب والامر الثابت الذي يرجع إليه هذه الكتب التي تمحى وتثبت بحسب الأوقات والآجال ولو كان هو نفسه تقبل المحو والاثبات لكان مثلها لا أصلا لها ولو لم يكن من أصله كان المحو والاثبات في أفعاله تعالى اما تابعا لأمور خارجة تستوجب ذلك فكان تعالى مقهورا مغلوبا للعوامل والأسباب الخارجية مثلنا والله يحكم لا معقب لحكمه.
واما غير تابع لشئ أصلا وهو الجزاف الذي يختل به نظام الخلقة والتدبير العام الواحد بربط الأشياء بعضها ببعض جلت عنه ساحته قال تعالى: " وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما الا بالحق " الدخان: 39.
فالملخص من مضمون الآية ان لله سبحانه في كل وقت وأجل كتابا أي حكما وقضاء وانه يمحو ما يشاء من هذه الكتب والاحكام والأقضية ويثبت ما يشاء أي يغير القضاء الثابت في وقت فيضع في الوقت الثاني مكانه قضاء آخر لكن عنده بالنسبة إلى كل وقت قضاء لا يتغير ولا يقبل المحو والاثبات وهو الأصل الذي يرجع إليه الأقضية الاخر وتنشأ منه فيمحو ويثبت على حسب ما يقتضيه هو.