تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٦٣
قوله تعالى: " ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم اخذتهم فكيف كان عقاب " تأكيد لما في الآية السابقة من الوعيد القطعي ببيان نظائر له تدل على امكان وقوعه أي لا يتوهمن متوهم ان هذا الذي نهددهم به وعيد خال لا دليل على وقوعه كما قالوا: " لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل ان هذا الا أساطير الأولين " النمل: 68.
وذلك أنه قد استهزئ برسل من قبلك بالكفر وطلب الآيات كما كفر هؤلاء بدعوتك ثم اقترحوا عليك آية مع وجود آية القرآن فأمليت وأمهلت للذين كفروا ثم اخذتهم بالعذاب فكيف كان عقابي؟ أكان وعيدا خاليا لا شئ وراءه؟ أم كان أمرا يمكنهم ان يتقوه أو يدفعوه أو يتحملوه؟ فإذا كان ذلك قد وقع بهم فليحذر هؤلاء وفعالهم كفعالهم ان يقع مثله بهم.
ومن ذلك يظهر ان قولهم ان الآية تسلية وتعزية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في غير محله.
وقد بدل الاستهزاء في الآية ثانيا من الكفر إذ قيل للذين كفروا ولم يقل بالذين استهزؤا للدلالة على أن استهزاءهم كان استهزاء كفر كما أن كفرهم كان كفر استهزاء فهم الكافرون المستهزؤون بآيات الله كالذين كفروا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا مستهزئين بالقرآن وهو آية لولا انزل عليه آية من ربه.
قوله تعالى: " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا له شركاء القائم على شئ هو المهيمن المتسلط عليه والقائم بشئ من الامر هو الذي يدبره نوعا من التدبير والله سبحانه هو القائم على كل نفس بما كسبت اما قيامه عليها فلانه محيط بذاتها قاهر عليها شاهد لها واما قيامه بما كسبت فلانه يدبر أمر أعمالها فيحولها من مرتبة الحركة والسكون إلى اعمال محفوظة عليها في صحائف الأعمال ثم يحولها إلى المثوبات والعقوبات في الدنيا والآخرة من قرب وبعد وهدى وضلال ونعمة ونقمة وجنة ونار.
والآية متفرعة على ما تقدمها أي إذا كان الله سبحانه يهدى من يشاء فيجازيه بأحسن الثواب ويضل من يشاء فيجازيه بأشد العقاب وله الامر جميعا فهو قائم على كل نفس بما كسبت ومهيمن مدبر لنظام الأعمال فهل يعدله غيره حتى يشاركه في الوهيته؟
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»
الفهرست