تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٧٧
ويتبين بالآية اولا ان حكم المحو والاثبات عام لجميع الحوادث التي تداخله الآجال والأوقات وهو جميع ما في السماوات والأرض وما بينهما قال تعالى: " ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما الا بالحق وأجل مسمى " الأحقاف: 3.
وذلك لاطلاق قوله " يمحوا الله ما يشاء ويثبت " واختصاص المورد بآيات النبوة لا يوجب تخصيص الآية لان المورد لا يخصص.
وبذلك يظهر فساد قول بعضهم ان ذلك في الاحكام وهو النسخ وقول ثان ان ذلك في المباحات المثبتة في صحائف الأعمال يمحوها الله ويثبت مكانها طاعة أو معصية مما فيه الجزاء وقول ثالث انه محو ذنوب المؤمنين فضلا واثبات ذنوب للكفار عقوبة وقول رابع انه في موارد يؤثر فيها الدعاء والصدقة في المحن والمصائب وضيق المعيشة ونحوها وقول خامس ان المحو إزالة الذنوب بالتوبة والاثبات تبديل السيئات حسنات وقول سادس انه محو ما شاء الله من القرون والاثبات انشاء قرون آخرين بعدهم وقول سابع انه محو القمر واثبات الشمس وهو محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة وقول ثامن انه محو الدنيا واثبات الآخرة وقول تاسع ان ذلك في الأرواح حالة النوم يقبضها الله فيرسل من يشاء منهم ويمسك من يشاء وقول عاشر ان ذلك في الآجال المكتوبة في ليلة القدر يمحو الله ما يشاء منها ويثبت ما يشاء.
فهذه وأمثالها أقوال لا دليل على تخصيص الآية الكريمة بها من جهة اللفظ البتة وللآية اطلاق لا ريب فيه ثم المشاهدة الضرورية تطابقه فان ناموس التغير جار في جميع ارجاء العالم المشهود وما من شئ قيس إلى زمانين في وجوده الا لاح التغير في ذاته وصفاته واعماله وفي عين الحال إذا اعتبرت في نفسها وبحسب وقوعها وجدت ثابتة غير متغيرة فان الشئ لا يتغير عما وقع عليه.
فللأشياء المشهودة جهتان جهة تغير يستتبع الموت والحياة والزوال والبقاء وأنواع الحيلولة والتبدل وجهة ثبات لا تتغير عما هي عليها وهما اما نفس كتاب المحو والاثبات وأم الكتاب واما أمر ان مترتبان على الكتابين وعلى أي حال تقبل الآية الصدق على هاتين الجهتين
(٣٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»
الفهرست