الشواهد قائمة على كون الآية مدنية فهى بعد هذه الآيات المكية من قبيل الايضاح في الجملة بعد الابهام ومن ملاحم القرآن.
وقد حمل بعض المفسرين ما وقع من حديث العذاب في هذه الآيات على عذاب الآخرة، وسياق الآيات يأبى ذلك.
قوله تعالى: (وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون) إما نرينك أصله: إن نرك، زيد عليه ما والنون الثقيلة للتأكيد، والترديد بين الإرادة والتوفي للتسوية واستيعاب التقادير، والمعنى إلينا مرجعهم على أي تقدير، ولفظة ثم للتراخي بحسب ترتيب الكلام دون الزمان والآية مسوقة لتطييب نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولتكون كالتوطئة لحديث قضاء العذاب الذي ستفصله الآيات التالية لهذه الآية.
والمعنى طب نفسا فإنا موقعون بهم ما نعدهم سواء أريناك بعض ذاك أو توفيناك قبل أن نريك ذاك فإن أمرهم إلينا ونحن شاهدون لأفعالهم المستوجبة للعذاب لا تغيب عنا ولا ننساها.
والالتفات من قوله: (نرينك) إلى قوله: (ثم الله شهيد) للدلالة على علة الحكم فإن الله سبحانه شهيد على كل فعل بمقتضى ألوهيته.
قوله تعالى: (ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) قضاء إلهي منحل إلى قضاءين أحدهما: أن لكل أمة من الأمم رسولا يحمل رسالة الله إليهم ويبلغها إياهم، وثانيهما: أنه إذا جاءهم وبلغهم رسالته فاختلفوا من مصدق له ومكذب فإن الله يقضى ويحكم بينهم بالقسط والعدل من غير أن يظلمهم.
هذا ما يعطيه سياق الكلام من المعنى.
ومنه يظهر أن قوله: (فإذا جاء رسولهم) فيه إيجاز بالحذف والاضمار والتقدير: فإذا جاء رسولهم إليهم وبلغ الرسالة فاختلف قومه بالتكذيب والتصديق، ويدل على ذلك قوله: (قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) فإن القضاء إنما يكون فيما اختلف فيه، ولذا كان السؤال عن القسط وعدم الظلم في القضاء في مورد العذاب