ووبخهم ثانيا على تأخير إيمانهم إلى حين لا ينفعهم الايمان فيه وهو حين نزول العذاب فإن آية العذاب يلجئهم إلى الايمان قطعا على ما هو المجرب من إيمان الانسان عند إشراف الهلكة، ومن جهة أخرى الايمان توبة والتوبة غير مقبولة عند ظهور آية العذاب والاشراف على الموت.
فقال تعالى: (أثم إذا ما وقع) العذاب (آمنتم به) أي بالقرآن أو بالدين أو بالله (الان) أي أتؤمنون به في هذا الان والوقت (وقد كنتم به تستعجلون) وكان معنى استعجالهم عدم الاعتناء بشأن هذا العذاب وتحقيره بالاستهزاء به.
قوله تعالى: (ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا ما كنتم تكسبون) الأشبه أن تكون الآية متصلة بقوله تعالى: (لكل أمة أجل) الخ، فتكون الآية الأولى تبين تحقق وقوع العذاب عليهم وإهلاكه إياهم، والآية الثانية تبين أنه يقال لهم بعد الوقوع والهلاك: ذوقوا عذاب الخلد وهو عذاب الآخرة ولا تجزون إلا أعمالكم التي كنتم تكسبونها وذنوبكم التي تحملونها، والخطاب تكويني كنى به عن شمول العذاب لهم ونيله إياهم، وعلى هذا المعنى فالآيتان: (قل أرأيتم - إلى قوله - تستعجلون) واردتان مورد الاعتراض.
قوله تعالى: (ويستنبؤنك أحق هو قل أي وربى إنه لحق وما أنتم بمعجزين) إلى آخر الآية - يستنبؤنك أي يستخبرونك، وقوله: (أحق هو) بيان له، والضمير على ما يفيده السياق راجع إلى القضاء أو العذاب، والمال واحد، وقد أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤكد القول في إثباته من جميع جهاته، وبعبارة أخرى أن يجيبهم بوجود المقتضى وعدم المانع.
فقوله: (قل أي وربى إنه لحق) إثبات لتحققه وقد أكد الكلام بالقسم والجملة الاسمية وإن واللام، وقوله: (وما أنتم بمعجزين) بيان أنه لا مانع هناك يمنع من حلول العذاب بكم.
قوله تعالى: (ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به) إلى آخر الآية، إشارة إلى شدة العذاب أهمية التخلص منه عندهم، وإسرار الندامة إخفاؤها