إكراما منه لنبيهم نبي الرحمة فهم في أمن من عذاب الله وإن انهمكوا في كل إثم وخطيئة وهتكوا كل حجاب مع أنه لا كرامة عند الله إلا بالتقوى وقد خاطب المؤمنين من هذه الأمة بمثل قوله: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به) النساء: 123.
وربما تعدى المتعدى فعطف عذاب الآخرة على عذاب الدنيا فذكر أن الأمة مغفور لهم محسنهم ومسيئهم فلا يبقى لهم في الدنيا إلا كرامة أن لهم أن يفعلوا ما شاءوا فقد أسدل الله عليهم حجاب الامن، ولا في الآخرة إلا المغفرة والجنة.
ولا يبقى على هذا للملة والشريعة إلا أنها تكاليف وأحكام جزافية لعب بها رب العالمين ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
فهذا كله من الاعراض عن ذكر الله وهجر كتابه، وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.
قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ما ذا يستعجل منه المجرمون) إلى آخر الآيتين، البيات والتبييت الاتيان ليلا ويغلب في الشر كقصد العدو عدوه ليلا.
ولما كان قولهم: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) في معنى استعجال آية العذاب التي يلجئهم إلى الايمان رجع بعد بيان تحقق الوقوع إلى توبيخهم وذمهم من الجهتين فوبخهم أولا على استعجالهم بالعذاب، وهو عذاب فجائي من الحزم أن يكون الانسان منه على حذر لا أن يستعجل فيه فقال تعالى ملقنا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم:
(قل أرأيتم) وأخبروني (إن أتاكم عذابه بياتا) ليلا (أو نهارا) فإنه عذاب لا يأتيكم إلا بغتة إذ لستم تعلمون وقت نزوله (ما ذا يستعجل منه) من العذاب (المجرمون) أي ما ذا تستعجلون منه وأنتم مجرمون لا يتخطاكم إذا أتاكم.
ففي قوله: (ما ذا يستعجل منه المجرمون) التفات من الخطاب إلى الغيبة وكأن النكتة فيه رعاية حالهم ان لا يشافهوا بصريح الشر وليكون تعرضا لملاك نزول العذاب عليهم وهو إجرامهم.