وكذا قول بعضهم: إن المراد ما كنتم تخصوننا بالعبادة، وإنما كنتم تعبدون أهواءكم وشهواتكم وشياطينكم المغوية لكم - فإن صدق عبادة الأهواء والشيطان على عملهم من جهة انه اتباع للهوى والشيطان لا ينفى عنه صدق كونه عبادة للأصنام كما أنه تعالى يصدق في كلامه الجهات الثلاث جميعا، قال تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم) يونس: 18، وقال: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) الجاثية: 23، وقال: (أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين) يس: 60.
ومن المعلوم أن الشركاء يحتجون لنفى كونهم معبودين لهم لا لاثبات كون الهوى والشيطان معبودين لهم مع الشركاء فإن هذا لا ينفعهم في الحجة البتة، ويستلزم لغوية إثباتهم الغفلة لأنفسهم في قولهم: (إن كنا عن عبادتكم لغافلين) لان الأهواء أيضا ما كانت شاعرة بعبادتهم كما أن الأصنام وهى أجسام ميتة كذلك.
ولعل القائل اعتمد في قوله على الحصر المفهوم من قوله: (ما كنتم إيانا تعبدون) بتقديم المفعول على فعله، وظاهره أنه قصر قلب مدلوله نفى المعبودية عن أنفسهم وإثباته لغيرهم، ليس نفيا لأصل العبادة فإنهم يثبتونها في قولهم: (عن عبادتكم) فإن إضافة المصدر إلى معموله يفيد الثبوت.
لكن الحق أن هؤلاء الشركاء إنما قالوا لهم: (ما كنتم إيانا تعبدون) تجاه ما قاله المشركون على ما حكاه الله: (ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك) النحل: 86 فنفوا عبادتهم عن الله سبحانه وأثبتوها للشركاء، والشركاء لم يكن ينفعهم إلا نفى عبادة المشركين عن أنفسهم، وأما أنها ثابتة لمن؟ فلا غرض لهم يتعلق بذلك وإنما همهم تنزيه أنفسهم عن دعوى الشركة، وقد احتجوا على ذلك بإثبات الغفلة عن ذلك لأنفسهم، ولو كانوا شاعرين بعبادتهم وعبدوهم كان لزمهم أعني الشركاء دعوى الشركة.
قوله تعالى: (فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم) إلى آخر الآية، ظهر معناه بما مر من التقرير، والفاء في قوله: (فكفى بالله) يفيد التعليل كقولنا: ا عبد الله فهو ربك، وهو شائع في الكلام.
قوله تعالى: (هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت) إلى آخر الآية، البلاء