بعض القرآن دون بعض بل جميعه، وهو يكلفهم أن يأتوا بسورة مثل ما يدعون أنه افتراه، وإنما ادعوه لجميع القرآن دون بعضه.
ولا يصغى إلى قول من يقول: إن التنكير (في سورة) للتعظيم أو للتنويع والمراد سورة من السور يذكر فيها قصص الأنبياء وأخبار وعيد الدنيا والآخرة لان الافتراء إنما يتهم به الاخبار دون الانشاء. أو يقول: المراد سورة طويلة مثل هذه السورة سورة يونس - في اشتمالها على أصول الدين والوعد والوعيد.
وذلك أن القرآن بجميع آياته منسوب إلى الله سبحانه، ولا يختلف في ذلك ما يتضمن الاخبار وما يتضمن الانشاء، وما كانت سورة طويلة أو قصيرة حتى الآية الواحدة، والرمي بالافتراء يصح أن يتعلق بالجميع لأنه تكذيب للنسبة المتعلقة بالجميع.
وثانيا: أن الآية لا تتحدى ببلاغة القرآن وفصاحته فحسب بل السياق في هذه الآية وفي سائر الآيات التي وردت مورد التحدي يشهد على أن التحدي إنما هو بما عليه القرآن من صفة الكمال ونعت الفضيلة من اشتماله على مخ المعارف الإلهية، وجوامع الشرائع من الاحكام العبادية والقوانين المدنية السياسية والاقتصادية والقضائية والأخلاق الكريمة والآداب الحسنة، وقصص الأنبياء، والأمم الماضية، والملاحم والاخبار الغيبية، ووصف الملائكة والجن والسماء والأرض والحكمة والموعظة والوعد والوعيد، وأخبار البدء والعود، وقوة الحجة وجذالة البيان والنور والهداية من غير أن يختلف جزء منه عن جزء، أضف إلى ذلك وقوعه في بلاغته وفصاحته موقعا يقصر عن البلوغ إليه أيدي البشر.
ولقد قصر الباحثون من علماء الصدر الأول ومن يتلونهم إذ قصروا إعجازه على بلاغته وفصاحته، وكتبوا في ذلك كتبا وألفوا رسائل فصرفهم ذلك عن التدبر في حقائقه والتعمق في معارفه، وأنهاهم إلى أن عدوا المعاني أمورا مطروحة في الطريق يستوى فيه البدوي والحضري والعامي والخاصي والجاهل والعالم، وأن الفضل لنظم اللفظ على نظم المعنى ولا قيمة لما وراء ذلك.