ينسانا في حال، ويمكن أن يكون (لجنبه) الخ، أحوالا ثلاثة من الانسان لا من فاعل دعانا والعامل فيه (مس) والمعنى إذا مس الانسان الضر وهو منبطح أو قاعد أو قائم دعانا في تلك الحال وهذا معنى ما ورد في بعض المرسلات: (دعانا لجنبه) العليل الذي لا يقدر أن يجلس (أو قاعدا) الذي لا يقدر أن يقوم (أو قائما) الصحيح.
وقوله: (مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) كناية عن النسيان والغفلة عما كان لا يكاد ينساه.
والمعنى: وإذا مس الانسان الضر لم يزل يدعونا لكشف ضره وأصر على الدعاء فإذا كشفنا عنه ضره الذي مسه نسينا وترك ذكرنا وانجذبت نفسه إلى ما كان يتمتع به من أعماله كذلك زين للمسرفين المفرطين في التمتع بالزخارف الدنيوية أعمالهم فأورثهم نسيان جانب الربوبية والاعراض عن ذكر الله تعالى.
وفي الآية بيان السبب في تمادى منكري المعاد في غيهم وضلالتهم وخصوصية سببه وهو أن هؤلاء مثلهم كمثل الانسان يمسه الضر فيذكر ربه ويلح عليه بالدعاء لكشف ضره حتى إذا كشف عنه الضر - ولذلك كان يدعوه - مر لوجهه متوغلا في شهواته وقد نسى ما كان يدعوه ويذكره فلم يكن تركه لدعاء ربه بعد ذكره إلا معلولا لما زين له من عمله فأورثه النسيان بعد الذكر.
فكذلك هؤلاء المسرفون زين لهم أعمالهم فجذبتهم إلى نفسها فنسوا ربهم بعد ذكره، وقد ذكرهم الله مقامه بإرسال الرسل إلى من قبلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا وإهلاك القرون من قبلهم بظلمهم وهذه هي السنة الإلهية يجزى القوم المجرمين.
ومن هنا يظهر أن الآية التالية: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم) الخ، متمم للبيان في هذه الآية: (وإذا مس الانسان الضر دعانا) إلى آخر الآية.
قوله تعالى: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم) إلى آخر الآية، قد ظهر معناه مما تقدم، وفي الآية التفات في قوله: (من قبلكم) من الغيبة إلى الخطاب،