ذلك خضوعا منا لكم ولا نرى شيئا من ذلك عندكم فأي موجب يوجب علينا اتباعكم؟
وإنما عممنا الفضل في كلامه للفضل من حيث الجهات المادية وغيره كعلم الغيب والقوة الملكوتية خلافا لأكثر المفسرين حيث فسروا الفضل بالفضل المادي كالمال والكثرة وغيرهما، لما يستفاد من كلامهم من العموم لوقوع النكرة في سياق النفي.
مضافا إلى أن ما يحاذي قولهم هذا من جواب نوح عليه السلام يدل على ذلك وهو قوله: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا أقول إني ملك) الخ على ما سيأتي.
وقوله تعالى: (بل نظنكم كاذبين) إضراب في الاحتجاج كما تقدمت الإشارة إليه فمحصله انا لا نرى معكم أمرا يوجب اتباعنا لكم بل هناك أمر يوجب عدم الاتباع وهو انا نظنكم كاذبين.
ومعناه على ما يعطيه السياق - والله أعلم - انه لما لم يكن عندكم ما يشاهد معه صحة دعوتكم وإنكم تلحون علينا بالسمع والطاعة وأنتم صفر الأيدي من مزايا الحياة من مال وجاه وهذه الحال تستدعى الظن بأنكم كاذبون في دعواكم تريدون بها نيل ما بأيدينا من أماني الحياة بهذه الوسيلة وبالجملة هذه امارة توجب عادة الظن بأنها أكذوبة يتوسل بها إلى اقتناء الأموال والقبض على ثروة الناس والاستعلاء عليهم بالحكم والرئاسة، وهذا كما حكى الله سبحانه عنهم في مثل القصة إذ قال: (فقال الملاء الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم) المؤمنون:
24. وبهذا يظهر وجه تعليقهم الكذب بالظن دون الجزم، وأن المراد بالكذب الكذب المخبري دون الخبري.
قوله تعالى: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى) إلى آخر الآية بيان لما أجاب به نوح عليه السلام عن حجتهم إلى تمام أربع آيات، والتعمية الاخفاء فمعنى عميت عليكم بالبناء للمفعول أخفيت عليكم من ناحية جهلكم وكراهتكم للحق. وقرئ:
عميت بالتخفيف والبناء للفاعل أي خفيت عليكم تلك الرحمة.
لما كانت حجتهم مبنية على الحس ونفى ما وراءه وقد استنتجوا منها اولا