ففي الكلام تكذيب لرسالته عليه السلام بإنه ليس إلا بشرا مثلهم ثم استنتاج من ذلك أنه لا دليل على لزوم اتباعه، والدليل على ما ذكرنا قول نوح عليه السلام فيما سيحكيه الله تعالى من كلامه: (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى) الخ.
وقد اشتبه الامر على بعض المفسرين فقرر قولهم: (ما نراك إلا بشرا مثلنا) بأنهم ساووه بأنفسهم في الزنة الاجتماعية واستنتجوا منها أنه لا وجه لاتباعهم له، قال في تفسير الآية: أجابوه بأربع حجج داحضة. إحداها: أنه بشر مثلهم فساووه بأنفسهم في الجملة، وهذا يدل على أنه عليه السلام كان من طبقتهم أو ما يقرب منها في بيته وفي شخصه وهكذا كان كل رسول من وسط قومه، ووجه الجواب أن المساواة تنافى دعوى تفوق أحد المتساويين على الاخر بجعل أحدهما تابعا طائعا والاخر متبوعا مطاعا لأنه ترجيح بغير مرجح. انتهى.
ولو كان المعنى ما ذكره لكان من حق الكلام أن يقال: أنت مثلنا أو نراك مثلنا دون أن يقال: ما نراك إلا بشرا مثلنا فيذكر انه بشر ولا حاجة إلى الإشارة إلى بشريته، ولكان معنى الكلام عائدا إلى المراد من قولهم بعد: وما نرى لكم علينا من فضل، وكان فضلا من الكلام.
ومن العجب استفادته من الكلام مساواته عليه السلام لهم في البيت والشخصية ثم قوله: (وهكذا كان كل رسول من وسط قومه) وفي الرسل مثل إبراهيم وسليمان وأيوب عليهم السلام.
وقوله: (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي) قال في المفردات: الرذل - بفتح الرا - والرذال - بكسرها - المرغوب عنه لرداءته قال تعالى: (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) وقال: (إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي) وقال: (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) جمع الأرذل.
وقال في المجمع: الرذل الخسيس الحقير من كل شئ والجمع ارذل ثم يجمع على أراذل كقولك: كلب واكلب واكالب، ويجوز ان يكون جمع الأرذل فيكون مثل أكابر جمع أكبر.
وقال: والرأي الرؤية من قوله: (يرونهم مثليهم رأى العين) أي رؤية العين