عدم الدليل على وجوب طاعته واتباعه ثم اضربوا عنه بالترقي إلى استنتاج الدليل على عدم الوجوب بل على وجوب العدم أجابهم عليه السلام بإثبات ما حاولوا نفيه من رسالته وما يتبعه، ونفى ما حاولوا اثباته باتهامه واتهام اتباعه بالكذب غير أنه استعطفهم بخطاب يا قوم - بالإضافة إلى ضمير التكلم - مرة بعد مرة ليجلبهم إليه فيقع نصحه موقع القبول منهم.
وقد أبدع الآيات الكريمة في تقرير حجته عليه السلام في جوابهم فقطعت حجتهم فصلا فصلا وأجابت عن كل فصل بوجهيه أعني من جهة انتاجه أن لا دليل على اتباعه عليه السلام وأن الدليل على خلافه وذلك قوله: (يا قوم أرأيتم ان كنت على بينة) الخ، وقوله: (وما انا بطارد الذين آمنوا) الخ، وقوله: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله) الخ، ثم اخذت من كل حجة سابقة شيئا يجرى مجرى التلخيص فإضافته إلى الحجة اللاحقة بادئة به فامتزجت الحجة بالحجة على ما لكل منها من الاستقلال والتمام.
فتمت الحجج ثلاثا كل واحدة منها مبدوة بالخطاب وهى قوله: (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة) الخ، وقوله: (ويا قوم لا أسألكم عليه أجرا) الخ، وقوله:
(ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم) الخ، فتدبر فيها.
فقوله: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى) جواب عن قولهم:
(ما نراك إلا بشرا مثلنا) يريدون به أنه ليس معه إلا البشرية التي يماثلهم فيها ويماثلونه فبأي شئ يدعى وجوب اتباعهم له؟ بل هو كاذب يريد بما يدعيه من الرسالة أن يصطادهم فيقتنص بذلك أموالهم ويترأس عليهم.
وإذ كان هذا القول منهم متضمنا لنفى رسالته وسندهم في ذلك أنه بشر لا أثر ظاهر معه يدل على الرسالة والاتصال بالغيب كان من الواجب تنبيههم على ما يظهر به صدقه في دعوى الرسالة وهو الآية المعجزة الدالة على صدق الرسول في دعوى الرسالة فإن الرسالة نوع من الاتصال بالغيب خارق للعادة الجارية لا طريق إلى العلم بتحققه إلا بوقوع أمر غيبي آخر خارق للعادة يوقن به كون الرسول صادقا في دعواه الرسالة، ولذلك أشار عليه السلام بقوله: (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من