وان فرض أنهم أخسر بالنسبة إلى الدنيا فذلك لكونهم بكفرهم وصدهم عن سبيل الله حرموا سعادة الحياة التي يمهدها لهم الدين الحق فخسروا في الدنيا كما خسروا في الآخرة لكنهم في الآخرة أخسر لكونها دائمة مخلدة وأما الدنيا فليست إلا قليلا، قال تعالى: (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) الأحقاف: 35.
على أن الأعمال تشتد وتتضاعف في الآخرة بنتائجها كما قال تعالى: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) أسرى: 72، وأحسن الوجهين أولهما لان ظاهر الآية حصر الأخسرين فيهم دون إثبات أخسريتهم في الآخرة قبال الدنيا.
قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم) إلى آخر الآية، قال الراغب في المفردات: الخبت المطمئن من الأرض وأخبت الرجل قصد الخبت أو نزله نحو أسهل وأنجد ثم استعمل الاخبات في استعمال اللين والتواضع قال الله تعالى: وأخبتوا إلى ربهم، وقال: وبشر المخبتين أي المتواضعين نحو لا يستكبرون عن عبادته، وقوله: فتخبت له قلوبهم أي تلين وتخشع. انتهى.
فالمراد بإخباتهم إلى الله اطمئنانهم إليه بحيث لا يتزلزل ما في قلوبهم من الايمان به فلا يزيغون ولا يرتابون كالأرض المطمئنة التي تحفظ ما استقر فيها فلا وجه لما قيل إن الأصل، أخبتوا لربهم فإن ما في معنى الاطمئنان يتعدى بإلى دون اللام.
وتقييده تعالى الايمان والعمل الصالح بالاخبات إليه يدل على أن المراد بهم طائفة خاصة من المؤمنين وهم المطمئنون منهم إلى الله ممن هم على بصيرة من ربهم، وهو الذي أشرنا إليه في صدر الآيات عند قوله: (أفمن كان على بينة من ربه) الخ أن الآيات تقيس ما بين فريقين خاصين من الناس وهم أهل البصيرة الإلهية ومن عميت عين بصيرته.
ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعض المفسرين أن هذه الآيات السبع يعنى