إياهم يوم يرجعون فيه إليه فيلاقونه كما وقع في نظير هذا المعنى في قوله تعالى:
(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين) الانعام: 57.
وأما قول من قال: إن معنى قوله: (إنهم ملاقوا ربهم) أنه لا يطردهم لانهم ملاقوا ربهم فيجازى من ظلمهم وطردهم، أو أنهم ملاقوا ثواب ربهم فكيف يكونون أراذل وكيف يجوز طردهم وهم لا يستحقون ذلك، فبعيد عن الفهم. على أن أول المعنيين يجعل الآية التالية أعني قوله: (ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم) الآية زائدة مستغنى عنها كما هو ظاهر.
وظهر أيضا أن المراد بقوله: (ولكني أراكم قوما تجهلون) جهلهم بأمر المعاد وأن الحساب والجزاء إلى الله لا إلى غيره، وأما ما ذكره بعضهم أن المراد به الجهالة المضادة للعقل والحلم أي تسفهون عليهم أو المراد أنكم تجهلون أن حقيقة الامتياز بين إنسان وإنسان باتباع الحق وعمل البر والتحلي بالفضائل لا بالمال والجاه كما تظنون فهو معنى بعيد عن السياق.
قوله تعالى: (ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون) النصر مضمن معنى المنع أو الانجاء ونحوهما والمعنى من يمنعني أو من ينجيني من عذاب الله إن طردتهم أفلا تتذكرون أنه ظلم، والله سبحانه ينتصر للمظلوم من الظالم وينتقم منه، والعقل جازم بأن الله سبحانه لا يساوى بين الظالم والمظلوم، ولا يدع الظالم يظلم دون أن يجازيه على ظلمه بما يسوءه ويشفى به غليل صدر المظلوم والله عزيز ذو انتقام.
قوله تعالى: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك) جواب عن قولهم: (وما نرى لكم علينا من فضل) يرد عليهم قولهم بأنى لست أدعى شيئا من الفضل الذي تتوقعون منى أن أدعيه بما أنى أدعى الرسالة فإنكم تزعمون أن على الرسول أن يملك خزائن الرحمة الإلهية فيستقل بإغناء الفقير وشفاء العليل وإحياء الموتى والتصرف في السماء والأرض وسائر أجزاء الكون بما شاء وكيف شاء.