لكنهم مع ذلك يريدون أمرا يؤمنون لأجله وليس إلا الاجبار والالزام على كراهية، فهم في قولهم: لا نراك إلا بشرا مثلنا، لا يريدون إلا الاجبار، ولا إجبار في دين الله.
والآية، من جملة الآيات النافية للاكراه في الدين تدل على أن ذلك من الاحكام الدينية المشرعة في أقدم الشرائع وهى شريعة نوح عليه السلام وهو باق على اعتباره حتى اليوم من غير نسخ.
وقد ظهر مما تقدم ان الآية، أعني قوله: (يا قوم أرأيتم إن كنت) الخ، جواب عن قولهم: (ما نراك إلا بشرا مثلنا) ويظهر بذلك فساد قول بعضهم:
إنه جواب عن قولهم: (بل نظنكم كاذبين) وقول آخرين: إنه جواب عن قولهم:
(ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادئ الرأي) وقول طائفة أخرى إنه جواب عن قولهم: (وما نرى لكم علينا من فضل) ولا نطيل الكلام بالتعرض لتوضيحها وردها.
قوله تعالى: (ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجرى إلا على الله) يريد به الجواب عما اتهموه به من الكذب و لازمه ان تكون دعوته طريقا إلى جلب أموالهم واخذ ما في أيديهم طمعا فيه فإنه إذا لم يسألهم شيئا من أموالهم لم يكن لهم ان يتهموه بذلك.
قوله تعالى: (وما انا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون) جواب عن قولهم: (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادئ الرأي) وقد بدل لفظة الأراذل - وهى لفظة إرزاء وتحقير - من قوله: الذين آمنوا تعظيما لأمر إيمانهم وإشارة إلى ارتباطهم بربهم.
نفى في جوابه ان يكون يطردهم وعلل ذلك بقوله: (إنهم ملاقوا ربهم) إيذانا بأن لهم يوما يرجعون فيه إلى الله فيحاسبهم على أعمالهم فيجازيهم على ما عملوه من خير أو شر فحسابهم على ربهم وليس لغيره من الامر شئ، فليس على نوح عليه السلام ان يحاسبهم فيجازيهم بشئ لكن القوم لجهالتهم يتوقعون على الفقراء والمساكين والضعفاء ان يطردوا من مجتمع الخير ويسلبوا النعمة والشرافة والكرامة.
فظهر ان المراد بقوله: (إنهم ملاقوا ربهم) الايمان إلى محاسبة الله سبحانه